adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/02/10 - 10:59 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست

متى تدرك قوتها الحقيقية؟

لا يمكن تحقيق أي تغيير اجتماعي أو نهضة حضارية دون إعادة النظر في وضعية المرأة، فهي نصف المجتمع، وأي تهميش لدورها هو تعطيل لمسيرة التطور. غير أن أي تغيير حقيقي لوضع المرأة يقتضي بالضرورة تفكيك منظومة الاستلاب العقائدي التي تكرس دونيتها وتحرمها من رؤية ذاتها كإنسان متكامل الحقوق والقدرات، لا يقل عن الرجل في شيء، والذي تلعب المؤسسات الدينية، من جهتها دورًا أساسيًا في إعادة إنتاج ذلك الاستلاب، وتعمل على تغذيته وتعزيزه، كما حدث مؤخرًا مع مؤسسة الأزهر التي سحبت من الأسواق كتابًا بحجة ضرورة مراجعته ، بينما السبب الحقيقي لأنه معنون بـ "كاملات عقل ودين"، ويهدف إلى إعادة الاعتبار للمرأة والرد على الخطاب التقليدي الذي يصفها بأنها "ناقصة عقل ودين"، الوصف الذي لطالما استُخدم للنيل من مكانتها وتقويض ثقتها بنفسها.

التصرف الخطير الذي يطرح  اليوم التساؤل المهم : هل آن الأوان لإعادة النظر في الكثير من المفاهيم السائدة؟ وهل ما يُروَّج له عبر العصور من تصورات تهمِّش المرأة هو وحي إلهي أم اجتهاد بشري محكوم بثقافة ذكورية بامتياز؟كما هو الحال بالنسبة لأوصاف الجنة في التراث الإسلامي الذي لو القينا عليه نظرة سريعة لبرز لنا ذاك البُعد الذكوري بوضوح: حور عين، ولدان مخلدون، لذات حسية لا تنته ن مع تهميش تام لموقع المرأة في هذه الصورة وتغييب لدورها في ذاك العالم المثالي الذي صُوِّر ليكون مكافأة للرجل وحده؟ هل هي مجرد جزء من ممتلكاته هناك كما كانت في حياته الأرضية؟ هذه التساؤلات تُعيدنا إلى الجذور الثقافية العميقة التي صاغت هذه التصورات، حيث طغى الخيال الذكوري على كل شيء، حتى على تصورات الآخرة والحياة الدنيا، التي كانت ولا تزال فيها المرأة تدفع ثمن الازدواجية الأخلاقية التي تحكم المجتمعات الذكورية ،التي يلغى فيها عقل المرأة وطموحها الفكري والعلمي والثقافي من أجل أن يتفرغ الرجل في هذه المجالات، ويَفرض على المرأة الأعمال المنزلية التي تقوم بها الزوجة بغير أجر إلا طعامها ؛ أي الشواغل والمشوشات والمنغِّصات التي لا يقتصر الزوج على استغلال لتبليد عقل المرأة وإلغائه وعدم تنميته بالعلم والمعرفة ، حتى يتمكن من تسخيرها في إشباع شهوته الجنسية وبالقدر الذي يُريده منها ، والذي يدخل ضمن واجبات الزوجة التي يجب عليها تلبية رغبات زوجها في أي وقت، فإن عجزت أو مرضت أو غضبت أو امتنعت أو منعها أولياؤها يحقُّ للرجل أن يُطلِّقها وتسقط نفقتها !

وتبقى المعضلة الأكبر في أن المرأة نفسها وفي كثير من الأحيان تكون جزءًا من هذه المنظومة، حيث تساهم في تكريس الاستلاب الذي تعاني منه. لإنها أول من يدافع عن القيم التي تقيّدها، وأول من يرسخ المفاهيم التي تقلل من شأنها، وأول من يورثها للأجيال الجديدة، على أنها قوانين وطبيعة للحياة ، التي تبدأ أولى خطوات تحرر ها من إعادة قراءة الموروثات بوعي ناقد، لا بقبولها كحقائق مطلقة. حين تدرك المرأة قوتها الحقيقية، لن تبقى مجرد تابع في مجتمع يحدد مصيرها، بل ستكون شريكًا في صناعة التاريخ، تمامًا كما كانت على مدار العصور في كل الحضارات التي أنصفتها ، لأن تحرير المرأة لا يبدأ من الخارج، بل من داخلها؛ من إيمانها العميق بأنها إنسان مستقل، مكتمل العقل والحقوق والقدرات. ـــــ وإذا لم تفعل ذلك ، وبقيت مقتنعة بأنها "ناقصة عقل ودين"، وأن شهادتها نصف شهادة الرجل، وأنها سبب فساد المجتمع، وأنها لا تصلح للقيادة". فستظل أسيرة وضعها الحالي .. لأننا عندما نختار أن نغلق أعيننا عن الحقيقة، فإننا لا نهرب منها، بل نحبس أنفسنا داخل وهم نصنعه بأيدينا في انتظار تحمل مسؤوليتها !!.