بقلم الأستاذ حميد طولست
بدأت القصة عندما قرر هذا الشاب، الذي
اشتهر ببيعه السمك بأسعار قريبة من سعره الحقيقي، تسليط الضوء على الفجوة الهائلة
بين سعر السردين في الميناء، الذي لا يتجاوز بضع دريهمات للكيلوغرام، وبين السعر
النهائي الذي يصل إلى المستهلك بعد أن يمر عبر حلقات متعددة من المضاربين
والسماسرة. ما كشفه لم يكن سرًا، لكنه أوضح بالأرقام والوقائع كيف ينهب جيب
المواطن البسيط بلا رقيب ولا مساءلة.
لكن بدلًا من أن تثير تصريحاته انتباه
المسؤولين حول هذه الممارسات المشبوهة،وتدفعها إلى فتح تحقيق في الأمر ، تحركت
السلطات بشكل مريب في اتجاه آخر تمامًا. فاستُدعي الشاب للتحقيق، وأُغلِق محله
مؤقتًا بحجج إدارية مثل عدم تعليق لائحة الأسعار، وظروف التبريد غير السليمة،
ومخاوف تتعلق بالنظافة. وكأن هذه الذرائع لم تكن لتُثار لو لم يُقدم هذا الشاب على
كشف المستور! والذي لا يقتصر على سوق السمك فقط، بل يعكس نموذجًا أوسع من السكوت
غير المعلن للجهات التي يُفترض أن تحمي المستهلكين من جشع محتكري الأسواق. فبدلًا
من تشجيع المبادرات التي تكسر احتكار السماسرة والمضاربين، نجد أن من يتجرأ على
فتح هذا الملف يُقابل بالعقاب والإقصاء.
ويبقى غياب المحاسبة الذي يفتح الباب
أمام مزيد من التلاعب بمقدرات الشعب ، يكرّس الإحباط ويزيد من فقدان الثقة في
المؤسسات، ويثير تساؤلات جوهرية حول مدى الجدية في محاربة المضاربة والاحتكار،
أمثال :هل يُعاقَب الفاضح بدلًا من الفاسد؟ وما الرسالة التي يتم تمريرها إلى باقي
التجار والمواطنين؟ وهل هناك نية فعلية لضبط الأسواق وحماية المستهلكين؟ أم أن
الشبكات المتحكمة في الأسعار أقوى من أي محاولة إصلاحية؟
لاشك أن هذه القضية ستكون اختبارا
حقيقيا لمدى جدية السلطات في التصدي للمضاربة والاحتكار، فهل ستكون هناك محاسبة
فعلية للوبيات الفساد الاقتصادي؟ أم أن العقاب سيظل من نصيب أولئك الذين يجرؤون
على قول الحقيقة؟