عبدالإله الوزاني التهامي
إن الحدث الجلل الذي كان حاسما في مصير
سيدي التهامي الوزاني بين مرحلتي الطفولة والرشد، هو ما كان يعانيه من أزمة نفسية
حادة، جعلته يبحث بإصرار عن قناعة فكرية يؤسس على ضوئها مشواره الجديد.
وكما نعلم فقد تربى الوزاني في أسرة
تقدس الأولياء والصالحين، وكان اعتقاده في بركات هؤلاء وكراماتهم من باب ترسيخ
اعتقاده في بركات وكرامات عائلته.
وقددساهمت الجدة بأدوار مهمة في تكوين
وترسيخ الاعتقاد المذكور، حيث طلق الأدب وداهمته أزمة نفسية حادة، كانت سببا مباشرا
في إحياء معتقداته السابقة، بل وسؤالا فلسفيا استراتيجيا فاصلا حدددبه ماضيه، ورسم
على ضوء هذا التحديد مستقبله.
في صفحة من صفحات حياته، يعترف التهامي
(الودراسي التطاوني) صراحة بما ذهبنا إليه، حيث يقول: "لا أستطيع أن أعبر كيف
كان اعتقادي في الصالحين وأهل الله"، ويعلم الجميع مستوى الرجل ونبوغه، إذ لم
يكن مصابا بعدة القدرة على الإفصاح، بل إن ما كان يخالج روحه من إجلال وتعظيم لأهل
الله اعتقلت لسانه عن التعبير. كيف لا وقد كان مولعا بقراءة "تحفة
الإخوان"، و"الأنيس المطرب"، ومخطوط "الروض المنيف"،
وغيرها من المصادر المهتمة بالتصوف وسير الرجال، المحفزة على "صحبة من ينهظك
حاله ويدلك على الله مقاله".
شكلت هذه اللحظة دافعا وجدانيا وفكريا
حاسما، ومساهمة في التنقيب عن طرق السلوك إلى الله، وانضاف إلى ذلك دافع عثوره على
سلسلة نسبه الطيني والديني، واكتشافه المجدد لأصوله الاجتماعية الأصيلة.
حقيقة، إن جدته هي التي قادته إلى هذا
الاكتشاف، يقول في مذكراته عن ذلك: "فذاكرتني جدتي .. فأجابتني أن ليس بيننا
وبين هؤلاء الأسلاف إلا آباء قلائل العدد".
ثم عثر بفضل الجدة على رسم صداق مضمن
"ذكر هذا العمود من النسب الطاهر،
إلى أن ينتهي إلى للافاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وزوجها
سيدنا علي كرم الله وجهه ورضي الله عنه".
هذا الاكتشاف دفعه إلى التشمير عن
سواعد الجد، مشعلا في نفسه نارا ذات لهب لم تنطفئ إلا ب"الرجعى والإنابة
والولاء لشيخ التربية"، يقول الوزاني عن هذا المنعرج: "فأخذت أفكر في
شأني وما أنا فيه من غفلة وإعراض عن الله وتفريط في جنبه، وجال في ذهني أن هؤلاء
-الأسلاف- سوف يكونون في الجنة .. بينما أنا أعذب في النار". -كتاب الزاوية-.
وقع الوزاني في اكتشاف مزذوج، اكتشاف
طريق الخلاص والتوبة، واكتشاف جذوره الاجتماعية المنتهية إلى سيد البرية صلى الله
عليه وآله وسلم.
مما أصبغ على هذه المرحلة طابع العودة
إلى الأصل الفطري، بالبحث عن مصادر اليقين في الماضي بعثوره على نسبه والبحث عن
مصادر اليقين في المستقبل بتنقيبه عن شيخ تربية واصل موصل.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال التقرب أكثر
من شخصية التهامي الوزاني بتجاهلنا لما ورد في كتابه "الزاوية" المترجم
لسيرته الذاتية، مع الوقوف على بعض شهادات الأدباء والمفمرين في شأنها.
تجدر الإشارة إلى أن الجزء الثاني من
"الزاوية" لم يرى نور النشر، والمعتقد أيضا أن دفاتره مبتورة أو أن بعضا
منه قد أتلف.
وإذا كان العامل الأساسي في هذا يرجع
إلى طروف الفترة التي ظهر فيها "الزاوية" -1942-، بحيث حالتالعوائق
الاستعمارية بمختلف أنواعها دون انتشاره على نطاق واسع، فإن صاحب السيرة الذاتية
بدوره غفل عن هذا الكتاب حتى بعد أن تغيرت ظروف هذا الواقع.
أضف إلى ذلك أن نقاد الأدب المغربي
أنفسهم لم يعتنوا فيما وقع اعتناؤهم به بما يكشف أو يشير إليها.
ويبدو أنها ظلت تنتقل بين الخواص،
مثقفين ومهتمين، حتى تحولت في فترة إلى مرجع وإحالة في بعض البحوث والدراسات التي
اهتمت بالتصور الروائي والسير ذاتي في المغرب. يتبع...