عندما لبى الشريف سيدي التهامي الوزاني نداء ربه، أقامت رابطة علماء المغرب بتطوان مهرجانا لتأبينه، جادت فيه قرائح الكتاب والشعراء بما يعرفون من فضل الفقيد وعلمه ومنزلته، نقتبس من كلامهم ما يدل الناس على خصاله:
قال في حقه العلامة الشريف سيدي
عبدالله كنون: "كان التهامي الوزاني رجلا عمليا، تفكيره واقعي، ونظرته للحياة
متفائلة، وصدره وأخلاقه في منتهى الطيبوبة، ولعل نزعته الصوفية هي التي جعلته لين
العريكة سهل المقادة، بعيدا عن كل خشونة واستيحاش، كما أنها فيما أعتقد هي التي
كانت تجعله متحررا في أفكاره وسلوكه أبعد حد، وتلك شنشنة معروفة من أهل
التصوف".
وقال عن تصوفه الأستاذ الكبير امحمد
عزيمان التطاوني: "لم يكن تصوف سيدي التهامي الوزاني سلبيا ولا جافا ولا
مزمتا، لم يكن انقطاعا عن الدنيا ولا وحشة في الخلق، ولا زهدا في طيبات الحياة، بل
كان على العكس من ذلك يرى جمال الله في كل شيء ويقبل على الحياة بروح الشاعر الذي
يعشق جمال الحياة ويراه من مظاهر جمال الله".
وقال عنه الشريف يوسف الكتاني:
"إذا أردنا أن نلقب هذا الرائد العظيم فلا نجد لقبا نصف به مولاي التهامي
الوزاني أصدق من "رائد الخدمة الاجتماعية" لكثرة ما كان محبوبا في
مجتمعه، محبا له، مؤثرا إياه على نفسه، متفانيا في خدمته، باذلا في سبيله ماله
وحياته وجهده، وآية ذلك هاته القصص التي يحكيها الناس ولم نعرفها إلا بعد وفاته،
عن إحسانه وبره وتفانيه في خدمة الناس والرفق بهم والحدب عليهم".
ومن أحسن ما قيل في رثائه شعرا، ما
قاله الشاعر الكبير محمد الحلوي:
أودى الحمام بمن لم يرهب القدرا
وعاد من كان في أعماقنا خبرا
النثر وهو أبوه لا يؤبنه
والشعر يجبن أن يهدي به الشعرا
رزء أصاب سويداء القلوب فلا
عزاء عنه ولا سلوى لمن صبرا
رزء أصاب بني الإسلام قاطبة
وهد منه منارا طالما ازدهرا
أضاء والليل داج فاستضاء به
بنو الشمال وكان الملهم الخطرا
وليث غاب مهيبا طالما ارتجفت
له العداة إذا ما هب أو زأرا
وشعلة تتحدى العمر ساخرة
بالشيب لا تعرف الأعباء والكبرا
قد راقب النفس واستجلى حقائقها
وراقب الله لم يعدل بعد شبرا
وقاوم البغي والباغون في صلف
فلم يخن عزمه يوما ولا فترا
وغيرها من القصائد المختزلة لسيرة سيدي
التهامي، فقط تعرفنا عن قسط من حياة هذا الرجل، ووقفنا على بعض إنتاجاته الفكرية
والأدبية، واستمعنا إلى شهادات بعض معاصريه المنشورة في كتاب "التهامي
الوزاني في ذكراه الأربعين".
ننتقل الآن إلى محطة أخرى من حياته، لا
تقل أهمية من سابقاتها، وأعني غوصه في عالم التصوف والسلوك إلى الله صحبة شيخ عارف
بالله ودال على الله، بعد تجرعه مرارة "الأزمة النفسية" والفراغ الروحي.
(!؟).
فاعتراف سيدي التهامي بقوله: "إني
كنت صوفيا بطريقة الوراثة والنشأة، فلم يكن التصوف يحتاج إلى شيء كي يتسرب إلى
قرار قلبي، بل إنني وجدت فيه من أول يوم استنشقت فيه نسيم الدنيا"، يجعلنا
مرغمين على تتبع خطوات تجربة هذا الرجل على درب العالم الصوفي، في دنيا تجلبك
للفتن والزهو وجاذبية شيخ مؤثر وتراكمات تربية أصيلة.
وآية ذلك كما يذكرنا عبدالقادر الشاوي في "الذات والسيرة"، أن التهامي الوزاني "تربى في كنف العائلة الوزانية الكريمة، ذات الجذور التاريخية العريقة، الممتدة ما يقرب من أربعة قرون في اعتناق التصوف". يتبع ..