بقلم الأستاذ حميد طولست
إنَّ الخلط الذي يمارسه البعض بين
عروبة الإسلام والأمازيغية يعكس سوء فهم عميق لطبيعة الدين الإسلامي ومرتكزاته
الكونية. التي تجعل منه دينا عالميا يتجاوز حدود الأعراق واللغات والثقافات ، التي
لم يكن يومًا مرتبطًا بها . ومع ذلك، لا يزال بعض القومجيين واليساريين أعداء
الأمازيغ والأمازيغية يسعون إلى فرض تصورهم الخاطئ، الذي يجعل الإسلام حكرًا على
العرب ويُقصي الثقافات الأخرى، وفي مقدمتها الثقافة الأمازيغية.
والإسلام ليس لغة ولا عرقًا؛ بل هو دين
عالمي يخاطب الإنسانية جمعاء. اللغة العربية ليست ركنًا من أركان الإسلام، بل هي
لغة الوحي التي نزل بها القرآن الكريم، لتكون وسيلة لتبليغ الرسالة في بيئة كانت
تتحدث هذه اللغة. المسلمون حول العالم ينتمون إلى أعراق وثقافات مختلفة: فهناك
المسلم التركي، والمسلم الفارسي، والمسلم الهندي، والمسلم الإفريقي، والمسلم
الأوروبي. كل هؤلاء يعيشون الإسلام بلغاتهم وثقافاتهم دون أي تناقض مع جوهر الدين.
إنَّ الإسلام لا يُعادي التنوع الثقافي
ولا يسعى لإلغاء الهويات المحلية. بل على العكس، يحتضن الإسلام هذا التنوع ويعتبره
جزءًا من سنن الله في خلقه، كما جاء في قوله تعالى: „وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا
وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا“ [الحجرات: 13].
الأمازيغية ليست ديانة، بل هي لغة
وثقافة عريقة لشعوب شمال إفريقيا التي كانت حاضرة في المنطقة قبل قدوم العرب بآلاف
السنين. هذه الثقافة تحمل في طياتها تراثًا غنيًا يعبر عن هوية شعوبها وتاريخهم
وتطلعاتهم. وكما أنَّ الإسلام لا يتعارض مع اللغات والثقافات الأخرى، فإنَّ
الأمازيغية ليست نقيضًا للإسلام. بل إنَّ العديد من الأمازيغ تبنوا الإسلام
وحافظوا على لغتهم وثقافتهم دون أن يشكل ذلك أي تناقض.
ومن المهم أن نذكر أنَّ الأمازيغ ليسوا
جميعًا مسلمين؛ إذ توجد بينهم أقليات تتبع ديانات أخرى، مثل اليهودية والمسيحية،
مما يؤكد أنَّ الأمازيغية هوية ثقافية تتجاوز الانتماء الديني.
في الوقت الذي يبقى فيه إصرار البعض
على ربط الإسلام بالعروبة واعتبار الأمازيغية تهديدًا للإسلام يعكس فقرًا في الفهم
وسوءًا في التقدير وتصورا خاطئا يؤدي إلى تغذية النزاعات الثقافية وتعميق الهوة
بين الشعوب التي يفترض أن تتعايش في إطار من التنوع المعتمد على الرؤية الشاملة
المعترفة بالتنوع الهوياتي الذي يمكن أن يحقق التفاهم بين العرب والأمازيغ ، ويبني
مستقبلا من متسامح يقوم على التعايش والاحترام المتبادل، الذي لن يتأتى إلا بتصحيح
المفاهيم الخاطئة ونشر الوعي بأنَّ الإسلام دين عالمي لا يرتبط بثقافة معينة. كما
يجب الاعتراف بأنَّ الأمازيغية جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية لشمال إفريقيا،
وهي قيمة يجب أن تُصان وتُحترم.
إنَّ تعزيز الحوار بين العرب والأمازيغ والمسلمين عمومًا يتطلب التخلص من الأفكار المسبقة التي تُغذي التفرقة وتحول دون بناء مجتمع يؤمن بالتنوع كقوة وليس كتهديد. الرؤية التي يمكن أن تضمن العيش المشترك في ظل سلام دائم واحترام متبادل.