بقلم الأستاذ حميد طولست
بعد تنصيب ترمب حاكما لامريكا ، تناقلت
وسائل الإعلام خبر فرضه على السعودية
الاستثمار في امريكا ، والذي خصصت له السعودية 600 مليار دولار، المقدار الذي لم
يرق لطموح ترامب الذي يطالب بتريلون دولار كأتاوة مقابلة حمايته لها ، الخبر الذي يذكرنا بالتناقض الصارخ في المواقف
الاستثمارية والدعم المالي بين الدول العربية ، والاختلافات في الأولويات
الإستراتيجية والاقتصادية ، في العلاقات الثنائية والإقليمية العربية ، التي تعكس
غياب التضامن و التعاون المثمر بين بعضها ، على سبيل المثال، الاستجابة الباهتة
لدعوات الاستثمار في مصر مقارنة بالدعم المالي الهائل الذي يُقدّم للدول الغربية ،
والذي يمكن تفسيره بالخوف من فقدان الدعم السياسي والعسكري ، من الدول الكبرى خاصة
تلك التي لها نفوذ عالمي ، والتي تسعى جل الدول العربية لشراء حمايتها ، كما فضح ذلك دونالد ترامب في
تصريح قال فيه :"لن تصمد أسبوعًا دون الحماية الأمريكية" ما يعكس صورة
واضحة عن الابتزاز السياسي والاقتصادي السافر والمذل الذي تقبل به الدول العربية
صاغرة، بدلًا من البحث عن الاستقلالية وبناء تحالفات إقليمية عربية. الوضع الذي
جعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يرفض سماع عبارة "إخوانا العرب" كما جاء في أحدى خطبه
قال : "ما اسمعش حد يقول إخوانا العرب مرة ثانية"، الحدث الذي يذكر كذلك
بقرار بعد المغرب عن العالم العربي والتوجه نحو أوروبا ، التوجه والاستراتيجية
المبنية على تحقيق مكاسب اقتصادية وتنموية ملموسة من خلال اتفاقيات الشراكة مع
الاتحاد الأوروبي، الذي اختاره مبكرا المرحوم الحسن الثاني، بحكمته النابعة من
تجربته الطويلة ، والذي استطاع تحقيق استفادة اقتصادية وسياسية ملموسة تفوق ما كان
ممكنًا من خلال الاعتماد على علاقات عربية غير مستقرة مبنية على التوقعات غير
المحققة، والشعارات البراقة في العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية المعانية من
أزمات هيكلية، بكل ما تعكسه من حالة
الإحباط الخطير من ضعف الدعم الحقيقي للاستثمار المطور للاقتصادات العربية المفتقر
إلى الالتزام والتنفيذ.
الوضع الخطير الذي يطرح أسئلة كبيرة وملحة أمثال : لماذا لا تُبذل جهود جادة لتحويل التضامن العربي من مجرد شعارات إلى مشاريع عملية تلبي الحاجة الملحة للتعاون الإقليمي العربي ؟ هل يمكن إعادة التفكير في مفهوم التضامن العربي الحقيقي والانتقال به من مرحلة الشعارات إلى مرحلة الأفعال التي تخدم مصالح الشعوب؟ وهل تصبح العلاقات بين الدول العربية قائمة على المصالح الإقليمية المشتركة بدلاً من الحسابات الضيقة ، المشتتة للأولويات والمعمقة للانقسامات التي تفقد العالم العربي قوته التفاوضية على الساحة الدولية.