adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/01/31 - 6:58 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

احترام القانون ليس مجرد استجابة للرقابة المشددة أو البيئة الجغرافية، بل هو قناعة داخلية تنبع من الإيمان بأهمية القانون في حماية الحقوق، وتنظيم الحياة، وتحقيق العدالة. ومع ذلك، تبرز مفارقة ملفتة للنظر عندما نقارن بين سلوك المهاجرين تجاه القانون في أوطانهم الأصلية وسلوكهم في بلاد المهجر.

من الملاحظ أن العديد من المهاجرين، سواء كانوا شرعيين أو غير شرعيين ("حراقة")، الذين لا يلتزمون بالقوانين في بلدانهم الأصلية، يصبحون بقدرة قادر أكثر التزامًا بها عند انتقالهم إلى بلاد المهجر. أحد أبرز الأمثلة على ذلك هو السائقون المغتربون الذين يحرصون بشدة على احترام قوانين السير، ويلتزمون بإجراءات السلامة، مثل وضع حزام الأمان، وتوفير مقاعد خلفية للأطفال، والتوقف عند الإشارات وممرات الراجلين ، الأمر الذي قد يهملونه عند كل عودة إلى أوطانهم.

هذه المفارقة لا تقتصر على قوانين المرور فحسب، بل تمتد إلى مختلف السلوكيات اليومية. فالمهاجرون في بلاد المهجر يحرصون على النظافة العامة، فلا يرمون أعقاب السجائر على الأرض، ولا يدخنون في الأماكن العامة، ويقفون في الطوابير بصبر حتى لو طالت. كما يسارعون إلى إبلاغ السلطات عن أي خرق للقانون، من أي كان ومهما بدا بسيطًا، مثل سرقة قطة من أمام نافذة أحدهم!

المفارقة الحقيقية تكمن في السؤال: لماذا يلتزم هؤلاء بالقانون في مهجرهم ويتجاهلونه في بلدانهم الأصلية؟ هل يعود ذلك إلى صرامة العقوبات في الدول المستقبلة؟ أم إلى الذوق العام الذي يشكل قوة كبيرة مانعة لحركة السلوكيات الشاذة والمنحرفة والغريبة، التي تعرض النسيج والبناء الاجتماعي للأذى والضرر ، والتي ما كانوا يخجلون من ارتكابها في بلدانهم الأصلية ثقافة النظام والانتظام والتي فرضت نفسها بقوة، وشكلت رادعًا نفسيًا قبل أن تكون قانونيًا؟

كم سيكون رائعًا لو حمل المهاجرون معهم قيم الالتزام والنظام التي اكتسبوها في الخارج، وساهموا بها في إحداث تغيير إيجابي داخل مجتمعاتهم الأصلية. فبدلًا من أن تكون الهجرة مجرد انتقال من الفوضى إلى النظام أو العكس، يمكن أن تصبح وسيلة لنقل ثقافة احترام القانون إلى أوطانهم. وكما يُقال: "أقوى دعاية للحق هي قوة المثال الشخصي"، فالقدوة الصالحة هي أبلغ رسالة يمكن إيصالها لمجتمع بحاجة إلى التغيير.

Next
This is the most recent post.
Previous
رسالة أقدم