بقلم الأستاذ حميد طولست
من المثير للاستغراب أن المسلمين،الذين
دافعوا طويلاً عن هذه الخرافة ، لم يتوقفوا لحظة ، رغم العقل الذي ميزهم به الله،
لمساءلة الذات وفهم العالم من حولهم. ولم يحاولوا تمحيص العديد من الأفكار التي
يعتبرونها مسلمات، ولم يتساءلوا عمَّا إذا كانت جزءًا أصيلًا من هويتهم أم مجرد
تأثيرات خارجية ترسخت بفعل الثقافة، أو التعليم، أو وسائل الإعلام، أو أهل النقل ،
الذين جعلوا التراث جدارًا فولاذيًا يمنع العقل من التدبر والتفكير الحر في القرآن
الكريم الذي يرفض كل ما يناقض العقل، حيث أنه لو كانت فتنة الدجال بهذا الحجم من
الخطورة كما يدّعون، لكان الله سبحانه وتعالى قد حذرنا منها كما فعل مع فتن الحياة
والمال والأولاد والقتال، لكنه لم يذكرها في كتابه المبين مطلقًا، مما يدل على
أنها ليست سوى أسطورة مستوردة من الموروثات المسيحية واليهودية، حيث يُعرف فيها
بـ"ضد المسيح" أو "الوحش"، وبنفس الصفات والمعجزات الزائفة.
إن الأعور الدجال الحقيقي ليس هو ذاك
الكيان الخارق الذي تصوره الخرافات، بل هو كل شخص يضلل العقول، بالترويج لمثل هذه
الأساطير سواء كان واعظًا أو فقيهًا يُحسن التلاعب بالمشاعر ويختلق الأساطير بهدف
ترويع الناس وسلبهم نعمة العقل، ليصبحون تابعين يسهل التحكم فيهم وتوجيههم نحو
الأغراض السياسية والدينية، واستغلالهم كسلاح ضد إخوانهم في الإنسانية.
ومن أجل حفاظ المسلم على إسلامه نقيًا من الشوائب، عليه أن يبني آراءه على المنطق السليم ،الأمر الذي لن يتأتى إلا إذا كان المسلم نشطًا في التعلم، والاكتشاف والتفكير المستقل والتشكيك في ما يصله من معلومات عن دينه كمسلمات، لأن الحقائق لا تعطى ،بل تكتشف بالبحث ، كما قال نعوم تشومسكي: "لن يضع أحد الحقيقة في عقلك، بل هي شيء يجب أن تكتشفه بنفسك."