وصل عدد الموقوفين من المؤثرين
الجزائريين من قبل السلطات الفرنسية إلى ستة أشخاص، ورحلت ذات السلطات مساء أمس
الخميس، المؤثر الجزائري نعمان بوعلام، المعروف بـ"دولامن" بعد اتهامه
بالتحريض على العنف ضد ناشطين معارضين لنظام الحكم في الجزائر؛ لكن السلطات الجزائرية
رفضت استلامه وأعادته إلى فرنسا، ليبلغ التوتر أشده بين الدولتين.
وقد أثار رفض الجزائر استلام نعمان
بوعلام، غضب باريس التي اعتبرت الأمر "محاولة لإذلالها"، مؤكدة أنه لم
يعد مقبولا التسامح مع مثل هذه الممارسات، بينما تأتي أحدث حلقة توتر بين البلدين
في خضم أزمة لا تبدو لها نهاية قريبة؛ خاصة بعد أن اعترفت الدولة الفرنسية على
لسان الرئيس امانويل ماكرون بمغربية الصحراء، وتعهده بقيادة جهود مكثفة في المحافل
الدولية لترسيخ المزيد من الاعترافات بسيادة المغرب على كامل أراضيه، بما فيها
الأقاليم الجنوبية، ولدفع المجتمع الدولي لتبني مبادرة المملكة للحكم الذاتي حلا
وحيدا واقعيا للنزاع المفتعل حول الصحراء.
ويبدو أن العلاقات بين البلدين وصلت
الى نقطة اللاعودة، حيث دعا وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو اليوم الجمعة إلى
إعادة تقييم العلاقات الثنائية بين البلدين، قائلا "أعتقد أننا وصلنا إلى
درجة مثيرة للقلق للغاية مع الجزائر"، مؤكدا على ضرورة إعادة تقييم الإجراءات
المستقبلية المتعلقة بها.
وأوضح ريتايو "لقد أصدرت أمرا
بالطرد، والسلطات الجزائرية لم ترغب في السماح له بالنزول على الأراضي الجزائرية،
وهو ما يتناقض تماما مع القواعد"، متابعا "أعتقد أن فرنسا لا يمكنها أن
تتسامح مع هذا الوضع"، ودعا إلى "تقييم كل الوسائل المتاحة فيما يتعلق
بالجزائر من أجل الدفاع عن مصالحنا"، معلنا عن عزم فرنسا الدخول في
"مواجهة حاسمة" مع الجزائر لإجبارها على القبول بالتعاون في مجال ترحيل
المواطنين الجزائريين الذين ترغب باريس في ترحيلهم لأسباب تتعلق بمخالفتهم لقوانين
البلاد.
وقال وزير الداخلية، وفق ما أوردته
"لوباريزيان"، بكلمات حادة "لقد وصلنا مع الجزائر إلى مستوى مقلق
للغاية، الجزائر تسعى إلى إذلال فرنسا"، مضيفا إن "هذا الوضع لا يمكن
تحمله" وأنه يجب "تقييم جميع الوسائل المتاحة" تجاه الجزائر.
ومن بين الخيارات التي طرحها الوزير
لاستخدامها ضد الجزائر، أولها مسألة التأشيرات، حيث شدد على ضرورة تحقيق نوع من
"التبادلية" في هذا الصدد، قائلا: "نحن نقدم لهم التأشيرات، لكنهم
لا يمنحوننا ما يكفي من التصاريح القنصلية"، وهو ما يشير إلى عزم فرنسا
العودة إلى فرض العقوبات على الجزائر في مجال التأشيرات عن طريق تقليصها.
أما وورقة الضغط الثانية التي أشار
إليها وزير الداخلية الفرنسي، فيتعلق الأمر بـ"التعريفات الجمركية"، حيث
قال "إننا نعمل على مستوى أوروبا بشأن التعريفات الجمركية، إذا كنتم لا
تريدون التعاون وتقديم التصاريح القنصلية اللازمة لإبعاد مواطنيكم، خاصة الخطرين
منهم، فسننظر في مسألة التعريفات الجمركية".
وحسب الصحيفة الفرنسية المذكورة، فإن
جميع دول الاتحاد الأوروبي تطبق نفس التعريفات الجمركية على السلع المستوردة من
خارج الاتحاد، مشيرة إلى أن الجزائر تتمتع بـ"تفضيلات جمركية" مع
الاتحاد الأوروبي لبعض "المنتجات الصناعية والزراعية (بما في ذلك المصنعة)
ومنتجات الصيد".
وأضافت "لوباريزيان" في هذا
السياق، أنه بفضل هذه الامتيازات الجمركية، زادات المبادلات التجارية بين فرنسا
والجزائر في 2023 بنسبة 5,3%، وفي سنة 2022، كانت فرنسا ثالث أكبر عميل للجزائر
(10.5% من الإجمالي)، مما يعكس أهمية المصالح الاقتصادية المشتركة.
فيما ورقة الضغط الثالثة التي تعتزم
باريس استخدامها ضد الجزائر، فقد أشار برونو ريتايو إلى ورقة "المساعدات
التنموية"، فبحسب تعريف منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الفرنسية، فإن هذه
المساعدات تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين ظروف المعيشة في الدول
النامية، من ضمنها الجزائر.
وكانت السلطات الفرنسية قد أقدمت صباح
الخميس، على ترحيله نحو مطار الهواري بومدين بالجزائر، لكن السلطات الجزائرية رفضت
استقباله، ليتم إعادته إلى فرنسا مساء نفس اليوم، وهو الأمر الذي يبدو أنه آثار
غضب فرنسا، ودفع وزير الداخلية إلى الادلاء بتصريح شديد اللهجة، يتوعد فيه
باستخدام أوراق ضغط ضد الجزائر.