غادر مولاي عبدالسلام بن مشيش الدار الفانية ملتحقا بالرفيق الأعلى شهيدا كما
هو معلوم عام 622ه (1225م) إو عام 625ه (1228م) إذ هناك رواية تقول أن أبا الحسن
الشاذلي كان عمره اثنان وثلاثون عاما حينما توفي أستاذه ابن مشيش، وبما أن الشاذلي
ولد عام 593ه (1196م/1197م) فهذا يعني أن وفاة الشيخ ابن مشيش كانت عام 625ه
(1228م) وربما كانت وفاته عام 626ه (1229م) ويرى البعض أن الشيخ توفي عام 624ه.
-الشيخ عبدالسلام بن مشيش، الشخصية والعصر -(د.محمد زوزيو).
شاء الله تعالى ألا يكون لمولاي
عبدالسلام بن مشيش من التلامذة والأتباع المباشرين سوى سيدي أبي الحسن الشاذلي،
وبهذا الرجل -التلميذ الاستثنائي- سينتشر مذهب الشيخ مولاي عبدالسلام في العالم.
إنه الشريف السيد الحسيب النسيب إلى
الحبيب، المقصد لمن لم يقصد، المليء بالعلوم الربانية والأسرار اللدنية، الذي هو
منها ممتلئ: سيدي أبو الحسن الشاذلي الحسني علي بن عبدالله، بن عبدالجبار، بن
تميم، بن هرمز، بن حاتم، بن قصي، بن يوسف، بن يوشع، بن ورد، بن أبي بطال، علي بن
أحمد، بن محمد، بن عيسى، بن إدريس، بن عمر، بن مولاي إدريس الأزهر بن مولاي إدريس
الأكبر، المبايع له ببلاد المغرب، ابن ابن عبدالله بن الحسن المثنى، ابن سيد شباب
أهل الجنة وسبط خير البرية، أبي علي الحسن ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم
الله وجهه وفاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وصف بأنه آدم اللون، نحيف الجسم، طويل
القامة، خفيف العارضين، طويل أصابع اليدين، كأنه حجازي، فصيح اللسان، عذب الكلام،
أخذ ميراث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومكن من خزائن الأسماء، فلو أن الجن
والإنس يكتبون عنه إلى يوم القيامة لكلوا وملوا.
ولد في نحو ثلاث وتسعين وخمسمائة
للهجرة، بقرية كانت تحسب ترابيا على قبيلة غمارة الكبرى.
رحل إلى تونس، وتوجه إلى المشرق، وحج
حجات عديدة، وسافر إلى العراق.
قال أنه لما دخل العراق اجتمع بالشيخ
الصالح أبي الفتح الواسطي، وقال أنه ما رأى بالعراق مثله وفي العراق مشايخ كثر،
وكان يسأل عن شيخ يأخذ بيده، فقال له الشيخ أبو الفتح، تبحث عن الشيخ بالعراق وهو
في بلادك، ارجع إلى بلادك تجده، فعاد إلى المغرب ولقي أستاذه المناسب الشيخ القطب
الغوث مولاي عبدالسلام بن مشيش فلزمه.
ولما قدم على شيخه أول الأمر وهو في
مغارة مرابطا في رأس الجبل، اغتسل في عين أسفل الجبل وخرج من علمه وعمله وطلع عليه
فقيرا وإذا به هابط عليه، فلما رآه -حسب ما يحكيه- قال مرحبا بعلي بن عبدالله بن
عبدالجبار، وذكر له نسبه إلى رسرل الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له، :"يا
علي طلعت إلينا فقيرا من علمك وعملك أخذت منا غنى الدنيا والآخرة"، فأخذه منه
الدهش، وأقام عنده أياما إلى أن فتح الله على بصيرته ورأى عليه خوارق العادات من
كرامات.
إلى أن قال له، يا علي ارتحل إلى
إفريقية واسكن بها بلدا يسمى شاذلة فإن الله يسميك الشاذلي، وبعد ذلك تنتقل إلى
تونس ويؤت عليك بها من قبل السلطنة، وبعد ذلك تنتقل إلى بلاد المشرق وترث فيها
القطبانية، فقال له، يا سيدي أوصني، فقال الشيخ: الله الله، والناس، تنزه لسانك عن
ذكرهم، وقلبك عن التماثيل من قبلهم، وعليك بحفظ الجوارح وأداء الفرائض، وقد تمت
ولاية الله عليك، ولا تذكرهم إلا بواجب حق الله عليك وقد تم ورعك، وقل:
"اللهم ارحمني من ذكرهم، ومن العوارض من قبلهم، ونجني من شرهم، واغنني بخيرك
عن خيرهم، وتولني بالخصوصية من بينهم، آنك على كل شء قدير".
قيل عنه أنه لما فتح الله عليه وفنى
اختياره مع الله، مكث نحو ستة أشهر لا يتجرأ أن يسأل الله شيئا في حصول شيء.
قال المكاوي في الكواكب الدرية في
طبقات الصوفية: كان الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنه إذا ركب تمشي
أكابر الفقراء وأكابر الدنيا حوله، وتنشر الأعلام على رأسه، وتضرب الكاسات بين
يديه.."
وينادى في الناس من أراد القطب فعليه بالشاذلي.
وقيل تأويلا لاسم "الشاذلي"،
أي يخاطبه مولاه عز وجل على نحو "أنت الشاذ لي"، بتشديد الذال المعجمة،
يعني المنفرد لخدمتي ومحبتي.
توفي الشيخ أبي الحسن الشاذلي بحميثرة
بمصر ودفن بها، وكان التحاقه بالرفيق الأعلى في شهر شوال عام ستة وخمسين وستمائة،
عن عمر ثلاث وستين عاما، رحمه الله ورضي عنه.