بقلم الأستاذ حميد طولست
الخوف شعور ورد فعل عاطفيّ قاتل لا يُرى، يسكن أعماق الإنسان دون أن يستشعر حضوره ، ويتخذ من دواخله ملاذا آمنا له ولبقية أخواته من مشاعر القلق وسوء الظن والتفكير المفرط والتساؤلات والتحليلات والتوقعات المرضية ، وغيرها من فصيلة القتلة أمثاله ، التي تصيب جوهر الفرد عندَ تعّرضه لشيء أو موقف يُشعره بالرهبة تجاه أمرٍ ما يعيق تقدّمه سواء في حياته الشخصيّة أو في علاقاته الاجتماعيّة ، فيكبل جميع أحلامه قبل أن تولد ، وتطفئ شموع الأمل قبل أن تشتعل، ويخنق ببطء كل جميل يحمله ، ويحوّل كل ما هو فاضل فيه إلى سراب، ويتركه مجرد شبح يتجول بين أطلال ما كان يمكن أن يكون حياة مليئة بالنور ، سواء كان ذاك الخوف -وإخوانه- خوفا واقعاً حقيقيّاً، أو مجرد تهيّؤاتٍ أو أخيلة ، يتمكن البعض من تخطّي حالاتها بالعلاج النفسي ، أو كان خوفا مرضيّاً ، يبقى عائقاً وحاجزاً في حياة الكثير من المصابين به ، الذين يصبحون معه أكثر حذراً ممّا يجب ، وأكثر مبالغة في تجنّب الشعور به ، ما يعزز لديهم أفظع أصنافه ، فتعطل عقولهم، وتشلّ إراداتهم، وتقتل حرياتهم، وتقضي على إنسانياتهم ، ولاتقاء أخطاره، يضطرون للكذب والغش والمكر والنفاق، والكثير من السلوكيات المدمرة لأخلاق المواطنة والسلوكيات المدنية ، التي تعتبر العنصر المهم ، والسبب الرئيسي في إفشال تأثير الخوف وتجاوزه ، التجاوز الذي يمنح الشجاعة ، ليس شجاعة الفعل فقط ، بل شجاعة التفكير في مصادره ، ودراسة وقائعه الروحية والمادية ، والتمييز بين الحقيقي منه وما هو كاذبٌ ، والتحفيز على هزم مختلف أشكاله ، والتخلص من سيطرته ، التي تستغلها مجمل الأيديولوجيات الإلرها بية ، وتعمل على إشاعتها وغرسها في نفوس البُلهاء والمجانين وبسطاء الفهم من الناس، حتى تتمكن من تحويلهم إلى كائنات مرعوبة لا تصلح إلا للسخرة والاستعباد، لأن الإنسان الخائف كما يقال : لا يفكر، ولا يقرر، ولا يحاور ، بخلاف الصفوة الأذكياء أصحاب العقول النيرة، الذين يعرفون أن الرعب الحقيقي ليس هو الخوف من الموت، بل الخوف من الحياة الأمر الذي يؤكده الأديب العالمي ألبير كامو في روايته chute" la "وفي قول لغيره بأن الرعب الحقيقي هو الخوف من الاستيقاظ كل يوم لمواجهة نفس الصراعات، ونفس آلام تكرار نفس الخيبات التي لا نهاية لمعاناتها التي لا تتغير أبدًا، والتي تنشأ منها رغبة في أي شيء يكسر رتابته التي لا مفر منها.