بقلم الأستاذ حميد طولست
أغرب ما قرأت مؤخرا قصة الأمريكي
"جوناثان لي ريتشز" صاحب أغرب هواية في العالم والتي حقق بسببها رقما
قساسيا عالميا جعل منه أكثر شخص في العالم في رفع القضايا ضد الأشخاص والأشياء
لأسباب في منتهى الغرابة والتافهة ، حيث رفع قضية على أمه بدعوى عدم إجادة تربيته
وحصل منها على 20 ألف دولار كتعويض، ورفع قضية على أصدقائه بسبب مزاحهم الثقيل
وشتمهم له ،و رفع قضية على جيرانه ومدرسيه وأقربائه وخطيبته ،ورفع قضية على شركة
روك ستار المنتجة للعبة GTA لأنها سببت له صدمة في سن المراهقة ، كما رفع
قضايا على المشاهير والقضاة ورجال الشرطة ورؤساء الدول ومن بينهم جرج بوش، ورئيس
إيران و قراصنة الصومال، والمغنية بريتنى سبيرز ، ومارثا ستيوارت ، وأفلاطون ،
ونوستراداموس ، وجمس هوفا ، ونصب لينكولن التذكاري، وبرج ايفل ، وغير ذلك من القضايا التي بلغت أكثر من 2600 قضية أدخلته موسوعة جينيس للأرقام
القياسية التي رفع على مسؤوليها قضية التشهير ونشر بياناته الشخصية بدون إذنه، كما
رفع قضية استهزاء بالمشاعر، ضد الصحفي الذي غطى حدث دخوله" جينيس" لضحكه
من تساؤله: "لماذا أعيش وحيدا ولا أحد يحبني "؟ وحصل على 50 ألف دولار
كتعويض "فبلغ مجمل ما حصل عليه من تعويضات القضايا 850 ألف دولار .
وليس "جوناثان لي ريتشز" هو
الوحد في جنون رفع الدعاوى القضائية ضد الأشخاص العاديين والمثقفين والفنانين
والصحف والصحفين والقنوات ، بل هناك نسخ مطابقة له في تلك العادة الغريبة، مع بعض
الاختلاف الطفيف في الدوافع والمسببات ، حيث أنها كانت لا تخرج عند غالبية
المبتلين مثله من الدول العربية والإسلامية
وعلى رأسها مصر عن ازدراء الأديان ، رغم شبهات عدم دستوريته ومخالفتها
لمواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وما
تفرضه من قيود على حق الناس في التعبير الذي يطبق تحت مظلة هذا القانون، بشكل
انتقائي في ملاحقة ليس منتقدي الدين الإسلامي فقط، بل وحتى منتقدي الأشخاص
–الأحياء منهم والأموات - و الجهات و التنظيمات والقنوات والأشياء المرتبطة بالدين
، كالقناة القرآنية التي سخر الكومدي محمد أشرف من مذيعيها ، فقضى 15 يومًا
محبوسا على ذمة تهمة ازدراء الدين
الإسلامي،التخصص الخاص بالكثير من رافعي الدعاوى من البلاد العربية والإشلامية،
والذين من بينهم الشيخ يوسف البدرى
-الداعية الإسلامي والنائب في مجلس الشعب المصري ، والذي وافته المنية قبل أيام
،رحمه الله ، والذي اعتقل فى عهد الإنجليز وعبد الناصر والسادات ومبارك- والذي عرف
بشيخ "المحاكم والحوادث"لكثرة تردده على المحاكم، ورفعه للدعاوى
القضائية ضد الصحف والمثقفين والقنوات الفضائية المصرية ، كرئيس تحرير أسبوعية
"أخبار الأدب" الروائي جمال الغيطاني والصحفي فيها محمد شعير وتغريمهما
أيضا بـ 20 ألف جنيه مصري، ورئيس المركز القومي للترجمة الناقد المصري جابر عصفور
وصحيفة الأهرام التي غرم بمبلغ 50 ألف جنيه .
وليس الشيخ وحده المصر محامي الذي تخصص في رفع الدعاوى القضائية بتهم ازدراء الأديان ، بل هناك المحامي سمير صبرى الذي رفع قضية على زميله الأستاذ أحمد عبده ماهر بتهمة ازدراء الأديان بتحريض من الأزهر ، والذي قدم بلاغا ضد المخرجة إيناس الدغيدي، يتهمهما فيه بازدراء الأديان والتطاول على الذات الإلهية،والذي أقام جنحتين مباشرتين اتهم فيهما الشيخ محمد عبد الله نصر الشهير بـالشيخ "ميزو " بازدراء الأديان، مستنداً إلى حديثه في العديد من القنوات الفضائية وإنكاره أحاديث صحيحة وردت في صحيح الإمام البخاري ، والذي تقدم ببلاغ رسمي للنائب العام ضد المطربة السورية أصالة نصري، بتهمة ازدراء الأديان ، بدعوى اقتباسها جزءا من حديث نبوي في أغنية لها ضمن ألبومها ''لا تستسلم'' ، وسواء حدثت هذه القصص الغريبة في الغرب أو في العالم العربي، فإنها تعكس جانبًا من الإفراط في الاستخدام الغريب أو السيئ للقوانين ، ما يحرض على التساؤلات المفتوحة حول مدى تأثير مثل ذاك الاستخدام المجحف على المجتمعات، وما إذا كانت لتعزيز العدالة فيها أم تُستخدم كوسيلة للضغط وتقييد الحريات.