بقلم الأستاذ حميد طولست
ليس هناك شعور أكثر قسوةً على النفس من الوقوف في طابور الانتظار ، مشدودا على حافة الحياة بين أملٍ قد يأتي وخيبةٍ قد تسقط كالصخر على الروح؛ إنه الانتظار، ذاك السجن الصامت الذي يأكل من أيام البشر ، ويسرق فرحتهم، وتطفئ بريق أحلامهم دون دراية منهم أنهم يطاردون خيوط الدخان في لحظات الانكسار ، خلال انتظار شفاء وسط عتمة الألم ، أو التفاتة حبٍ واحترامٍ واعترافٍ بوجود ، ولما لا السعادة التي يمضي العمر متكئا على مقاعد الانتظار في انتظارها ، والذي لم وربما لن تضيف قيمة يبتسم لها رصيف الحياة ، أو تملؤه بهاءً وتألقاً واحتفاءً ، وكأن الانتظار يبارك انتظاريتهم من الميلاد إلى الممات ، ويكافئ اختيارهم السقيم لإكمال الأعمار كضحايا لا تدري المعنى الحقيقي لمأساة انتظار المستنفذ لكل الطاقات الحيوية ، والسارق لأبهى اللحظات الجميلة ، والمفقد للراحة النفسية ، والسالب للأمن والأمال ، وواضعها جميعها على قائمة انتظاريته الطويلة، البعيدة المنال ، التي لا تمنح الدفء للحاضر، ولا تحمل الإشراق المستقبل، ولا تضيء طرق المنتظرين الباهتة ، وكأنها أشبه بعقوبةٍ ذاتية ، مشبع بإرثٍ ثقيل من القلق والإرهاق واللاجدوى التي تفقد الإنسان أمن النفس والأمل في المستقبل ، وتهدد حياته بالموت البطيء ، دون أن يشعر متى بدأ عادة الانتظار الذي يلوذ بمقاعده، أو يدرك معناه الحقيقي ! وهل هو الحنين لما لم يكن؟ أم التعلق بما قد لا يكون والمتمسكين بأوهامه؟ التي كان من الأجدى استبدالها بالفعل واتخاذ المبادرة ، بدل التردد والاتكالية ، فالوقت لا يرحم من يسرف في استهلاك نفسه على أرصفة الانتظار ، والحياة لا تنتظر أحدًا..