توفي الرئيس الأميركي الأسبق جيمي
كارتر، الحائز جائزة نوبل للسلام، عن عمر يناهز 100 عام في منزله بمسقط رأسه في
ولاية جورجيا (جنوب شرق)، بحسب ما أعلنت منظمته الخيرية أمس الأحد، في نبأ أثار
سيلا من ردود الفعل المنوهة بالراحل الكبير.
وقال "مركز كارتر" في بيان
إن "جيمي كارتر، الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة والذي حاز في 2002
على جائزة نوبل للسلام، توفي بسلام الأحد في 29 ديسمبر، في منزله في بلينز بولاية
جورجيا، محاطا بأفراد عائلته".
وكان يتلقى رعاية تلطيفية للمسنين منذ
منتصف فبراير2023 في منزله ببلدة بلاينز حيث ولد وأدار مزرعة للفول السوداني قبل
أن يصبح حاكما لجورجيا ثم يترشح للبيت الأبيض.
وقال تشيب كارتر نجل الرئيس الراحل
"كان والدي بطلا، ليس فقط بالنسبة لي، بل لكل من يؤمن بالسلام وحقوق الإنسان
والحب المجرد من الأنانية. تشاركت أنا وإخوتي وأختي هذا الحب مع بقية العالم من
خلال هذه المبادئ المشتركة. العالم هو عائلتنا بسبب الطريقة التي جمع بها الناس
معا، نشكركم على تكريم ذكراه من خلال الاستمرار في العيش وفقا لهذه المبادئ
المشتركة".
وذكر مركز كارتر أن مراسم عامة ستقام
في أتلانتا وواشنطن يليها مراسم دفن خاصة في بلينز. وأضاف أن الترتيبات النهائية
للجنازة الرسمية لم تحدد بعد.
وتوالت الإشادات بمآثر الراحل الكبير
من داخل الولايات المتحدة وخارجها، حيث سارع جميع الرؤساء الأميركيين الذين خلفوه
وما زالوا على قيد الحياة إلى نشر برقيات تعزية.
وأعلن الرئيس الديمقراطي جو بايدن في
بيان مشترك مع زوجته جيل، أن "أميركا والعالم فقدا زعيما ورجل دولة ورجل عمل
إنساني غير عادي (..) رجل مبادئ وإيمان وتواضع".
ولاحقا، وجه بايدن خطابا إلى الأمة عبر
التلفزيون من جزر فيرجن الأميركية قال فيه إن سلفه الديمقراطي "عاش حياة لا
تقاس بالأقوال بل بالأفعال".
كما أصدر بايدن مرسوما حدد فيه التاسع
من يناير المقبل يوم حداد وطني على الرئيس الراحل.
وقال الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد
ترامب إن "التحديات التي واجهها جيمي كرئيس جاءت في وقت محوري لبلدنا، وقد
فعل كل ما في وسعه لتحسين حياة جميع الأميركيين. لهذا السبب، نحن جميعا مدينون له
بالامتنان".
وقال الرئيس الديمقراطي الأسبق بيل
كلينتون في بيان مشترك مع زوجته هيلاري التي كانت وزيرة للخارجية وترشحت للرئاسة
أيضا إن "الرئيس كارتر عاش لخدمة الآخرين حتى آخر لحظة من حياته (..) لقد عمل
بلا كلل من أجل عالم أفضل وأكثر عدلا".
وقال الرئيس الجمهوري الأسبق جورج
دبليو بوش، إن كارتر كان "رجلا ذا قناعات عميقة"، معتبرا أن "جهوده
لجعل العالم مكانا أفضل لم تقتصر على فترة رئاسته" (1977-1981) بل تواصلت
بعدها ليكون بذلك "مثالا يحتذى سيُلهم الأميركيين لأجيال مقبلة".
وبدوره، قال الرئيس الديمقراطي الأسبق
باراك أوباما في منشور على منصة إكس، إن الرئيس الراحل "علمنا جميعا ما يعنيه
أن نعيش حياة مفعمة بالنعمة والكرامة والعدالة والخدمة".
ومن جانبه، اعتبر الرئيس الفرنسي
إيمانويل ماكرون أن كارتر "دافع عن حقوق الأشخاص الأكثر ضعفا وقاد بلا كلل
النضال من أجل السلام"، مؤكدا أن "فرنسا تعبر عن تعاطفها العميق مع
عائلته ومع الشعب الأميركي".
ولفت العاهل البريطاني الملك تشارلز
الثالث إلى أن الرئيس الراحل "كرّس حياته للعمل من أجل السلام وحقوق
الإنسان"، مستذكرا "بتعاطف كبير" الزيارة التي قام بها الرئيس
الأميركي الـ39 إلى بريطانيا في 1977.
وقال رئيس الوزراء البريطاني كير
ستارمر إن "الرئيس كارتر، مدفوعا بإيمانه وقيمه العميقة" كان رمزا
"للخدمة المتفانية" عبر تكريسه "حياته بطولها" من أجل تحقيق
"العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان داخل بلاده وخارجها".
ومن جانبه، قال المستشار الألماني
أولاف شولتس اليوم الاثنين، إنه يشعر بالحزن لوفاة كارتر، مضيفا أن الولايات
المتحدة "فقدت مقاتلا مخلصا من أجل الديمقراطية".
وذكر شولتس في منشور على منصة إكس
"فقد العالم وسيطا عظيما من أجل السلام في الشرق الأوسط ومن أجل حقوق
الإنسان".
ونوه الرئيس الأوكراني فولوديمير
زيلينسكي بوقوف كارتر "بثبات معنا في نضالنا المستمر من أجل الحرية (...)
نثمن عاليا التزامه الراسخ بالإيمان المسيحي والقيم الديمقراطية، فضلا عن دعمه
الراسخ لأوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي غير المبرر".
وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي
عن كارتر، إن "دوره البارز في التوصل إلى اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل
سيظل محفورا في سجلات التاريخ البيضاء".
وكتب السيسي في منشور على فيسبوك
"أتقدم بخالص التعازي إلى عائلة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، وإلى
رئيس وشعب الولايات المتحدة الأميركية"، منوها بالجهود التي بذلها كارتر حين
كان في البيت الأبيض لإبرام اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والدولة العبرية في 1978،
أول معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية.
وأشاد الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو
لولا دا سيلفا بالرئيس الراحل "المحب للديمقراطية والمدافع عن السلام"،
والذي واصل بعد مغادرته البيت الأبيض العمل من أجل "تعزيز حقوق الإنسان
والسلام والقضاء على الأمراض في أفريقيا وأميركا اللاتينية".
ونوه الرئيس البنمي خوسيه راوول مولينو
بالدور الذي قام به كارتر في نقل السيادة على القناة إلى بلده، في وقت يهدد فيه
ترامب باستعادة السيطرة على القناة.
وقال مولينو إن ولاية كارتر "كانت
حاسمة بالنسبة لبنما للتفاوض وإبرام اتفاقيات توريخوس-كارتر عام 1977، والتي تحقق
بموجبها نقل القناة إلى بنما والسيادة الكاملة لبلادنا".
وأكّد الرئيس الكوبي ميغيل دياز-كانيل
أن مواطنيه سيظلون على الدام "ممتنين" للرئيس الراحل على جهوده من أجل
"تحسين العلاقات" بين البلدين.
وأعرب المدير العام لمنظمة الصحة
العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس عن حزنه العميق لوفاة كارتر، الرجل الذي
"أنقذ حياة عدد لا يحصى من الناس" بفضل الجهود التي بذلها لمكافحة
الأمراض.
وتميزت فترة رئاسته الوحيدة بإبرام
اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 بين إسرائيل ومصر، والتي جلبت بعض الاستقرار إلى
الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهها في
منصبه، لم ينافس كارتر من الرؤساء السابقين سوى القليل على تحقيق الإنجازات. فقد
اكتسب شهرة عالمية باعتباره مدافعا لا يعرف الكلل عن حقوق الإنسان، وصوتا
للمحرومين، وزعيما في مكافحة الجوع والفقر، ففاز بالاحترام الذي فقده عندما كان في
البيت الأبيض.
ونال كارتر جائزة نوبل للسلام عام 2002
لجهوده في تعزيز حقوق الإنسان وحل النزاعات في مختلف أنحاء العالم، من إثيوبيا
وإريتريا إلى البوسنة وهايتي. وأرسل مركز كارتر في أتلانتا وفودا دولية لمراقبة
الانتخابات إلى مختلف دول العالم.
وكان الشرق الأوسط محور السياسة
الخارجية لكارتر، حيث أنهت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، التي استندت
إلى اتفاقيات كامب ديفيد المبرمة عام 1978، حالة الحرب بين الطرفين.
واستقبل كارتر الرئيس المصري أنور
السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجين في منتجع كامب ديفيد الرئاسي في
ماريلاند لإجراء محادثات، ولاحقا عندما بدا أن المفاوضات تنهار، أنقذ كارتر الموقف
بالسفر إلى القاهرة والقدس للقيام بجولات دبلوماسية مكوكية بنفسه.
ونصت المعاهدة على انسحاب إسرائيل من
شبه جزيرة سيناء المصرية وإقامة علاقات دبلوماسية، وفاز كل من بيجين والسادات
بجائزة نوبل للسلام عام 1978.
ولم تحظ كل جهود كارتر بعد تركه
الرئاسة بالتقدير، فقد تردد أن الرئيس السابق جورج دبليو بوش ووالده الرئيس السابق
جورج بوش الأب، وكلاهما من الحزب الجمهوري، أبديا استياءهما من الدبلوماسية التي
انتهجها كارتر في العراق وغيره.
ففي عام 2004، وصف كارتر حرب العراق
التي شنها بوش الابن في عام 2003 بأنها "واحدة من أكثر الأخطاء فظاعة وتدميرا
التي ارتكبتها أمتنا على الإطلاق"، كما وصف إدارة جورج دبليو بوش بأنها
"الأسوأ في التاريخ"، وقال إن نائب الرئيس ديك تشيني "كارثة
لبلادنا".