بقلم الأستاذ خميد طولست
في حياة الإنسان أشياء كثيرة لا تستحق
حتى ردّة فعل ، ومع ذلك فهي تسرق منه حياته وتشتّت تفكيره، وتعيق خططه ، وتزج به
في معارك وهمية تافهة مع أناس تافهين ليس لهم علاقة بمعارك حياته الحقيقية ، التي
لا مجال لعيشها بسلام ، إلا باستغنائه عن عشرات المعارك التافهة ، وابتعاده عن
مئات المرائين والمنافقين وأصحاب الضمير الميت ، وكل الذين يختلقونها لتعكير هدوئه
وسلامه النفسي الذي لن يحافظ عليه غير ردع قليلي المروءة والشهامة ، ووضعهم في
مكانهم المناسب ، برسم الحدود والمسافات المنهية لجودهم في محيطه، كرد فعل هادئ ،
ليس فيه جادل ، ولا يعتريه انفعال ، ولا تتخلله صراعات ، ويعكس احترامه لنفسه ،
وحفظه لكرامته ، وصون خصوصيته ، ويجبر من يفكر في تخطي حدوده على مراجعة حساباته ؛
وبذلك يكون قد حرر نفسه من عبء التفسير الخاطئ ، ومنحها فرصة للنفلات من هيمنة
القطيع ، وجعل بينه وبينهم الكثير من الخصوصية ، لا تثق بمن لا يعرف منهم حتى
يعرفه ، ولا يثق بمن عرفه حتى يجربه ، ولا يعط ثقته كلها لمن جربه حتى يستوثق منه
، وبعد ذلك لا يكشف لهم أوراقه جميعها ، وليس ذلك من باب كون الأمر مجرد ردود فعل
دفاعية عن الذات ، ولكن لأن الشر ليس أمرا عارضا يتسلل إلى ذات الإنسان من
خارجه،ولكن لأنه جزء أصيل من كينونة الإنسان الذاتية ،– كما قال الفيلسوف توماس
هوبس -: "الإنسان شرير بطبعه وتنطوي مكنوناته الغريزية على قدر لا يستهان به
من العدوانية"، المعنى نفسه الذي عبر عنه الشاعر والأديب جبران خليل جبران،بقوله:
الخيرُ في الناسِ مصنوعٌ إذا جُبروا
والشرُّ في الناسِ لا يفنى
وإِن قُبروا "
والذي أكده نتشه:" فالحياة تأتي
غالباً خلافا لتوقعات الناس وظُّنها بأن لمعاناتك علاقة بقساوة الزمان ومخاوفه ،
بينما هي من صنع البشر ، الذين هم أشد تخويفا من الزمن ".
لذا لا يجب أن نخجل من لحظات ضعفنا ،
فلا أحد يمكنه أن يظل واقفاً يقاوم ويقاتل دائماً ، حتى الشجرة يُرهقها الوقوف في
وجه الريح فَتنهار وتسقط أوراقها ، وجاوِر من يشبهك ، وحاوِر من يحترمك ، وشاوِر
من يحبّك ، وعاشر الأصيل إذا جار عليك الزمان يجود ولا يجور، وإن أخذ شكر ،وإن رأى
ستر ، وحتى إن خاصم فيبقى أصيلا ، واتخذ من الطيبين خلّان ، يجازوك الإحسان
بالإحسان، وإياك وصحبة الّلئام ، المتراقصة أقنعتهم بين مخلص ومتلاعب ،وبين من
يبحث عنك لذاتك، ومن يريدك لمآربه ، ولا تغتر بحلاوة ألسنتهم ، فإنّ الفضل معها
عقيم.
وكن أنت أنت متجردا من كل الذوات المؤثرة في المواقف ، التي يبقى معها الأصيل أصيلا ، وعديم الأصل دليلا ، لا ، ولن ، يرتقي إلى مصاف الكبار الذين لا يعادون أحداً انتقاماً لأشخاصهم ، ويتحملون سفاهة الناس من أجل خدمتهم وإسعادهم والتفاني في توفير الراحة لهم ، وليكن هدفك الأسمى هو إرضاء الضمير والسعي لبلوغ رضا الخالق ، فمهما أخفى الإنسان حقيقته ، فالطبع يفضحها ، لأنه غلاب ، وكن شجعاناً وَ تفاءل ، فالصدمة تُضعِفنا لحظة وَتُقوّينا العمر كله ، ويعود الحكم الحقيقي على النفس وصلاحها في النهاية إلى خالقها سبحانه..!!!