تغيب الشمس على أيامهم كما تغيب
الآمال، يطوي الزمن أعمارهم كما تطوى الصفحات في كتاب الحياة، ويمضون نحو خريف
العمر محملين بأثقال السنين، لكنهم يصطدمون بواقع مرير يتركهم في مواجهة فاجعة
الفقر والخذلان، هم أولئك المغاربة الذين بلغوا سن التقاعد، ظنوا أن حياة الكدح
والعطاء ستتوج بالراحة والطمأنينة، لكن الحقيقة كانت أبعد من ذلك بكثير.
معاشات هزيلة، بالكاد تغطي النفقات
الأساسية، إن لم نقل إنها تعجز عن ذلك، أكثر من نصف المتقاعدين الذين يحصلون على
معاشات لا تتجاوز 1500 درهم شهريا، بينما يتقاضى 72% منهم أقل من 2000 درهم، هذا
الواقع يكشف قسوة نظام اجتماعي عاجز عن إنصاف من أفنوا حياتهم في العمل، ليجدوا
أنفسهم أسرى العوز في أواخر أيامهم.
أما الوجه الآخر من المأساة، فهو أولئك
الذين بلغوا سن التقاعد دون أن يحظوا بأي معاش، 76% من العاملين في القطاع الخاص
أو الأعمال الحرة لا يتمتعون بأي ضمان اجتماعي، فيجدون أنفسهم مضطرين لمواصلة
العمل، رغم التقدم في العمر وتراجع الصحة، أو الاعتماد على التكافل الأسري
والاجتماعي كملاذ أخير.
تحت عباءة الحاجة، يظهر العجز بأقسى
صوره، بعضهم لا يجدون حتى ثمن الدواء، وآخرون يخجلون من مد أيديهم طلبا للمساعدة،
وفي ظل هذه المعاناة، يصبح التكافل الأسري السند الوحيد لبعضهم، إذ يتحمل الأبناء
عبء إعالة آبائهم الذين كان يفترض أن يكونوا في راحة وكرامة.
لكن، ماذا عن أولئك الذين لا أسرة لهم؟
أولئك الذين افترستهم الوحدة، أو تقطعت بهم سبل التكافل؟ يصبحون أرقاما إضافية في
قوائم المنسيين، حيث تسلبهم الحياة كرامتهم وهم أحياء.
هؤلاء المتقاعدون ليسوا مجرد أرقام أو
نسب إحصائية، هم آباء وأمهات، هم أجيال بنوا بعرقهم حاضرنا، وكانوا يحلمون بمستقبل
أكثر إنسانية؛ لكن أين العدالة في أن يتحول خريف العمر إلى سجن من المعاناة؟
يبقى السؤال قائما: متى سينصف هذا
الوطن أبناءه الذين أفنوا أعمارهم في خدمته؟ متى سنرى سياسات اجتماعية تحترم كرامة
المتقاعدين وتضمن لهم عيشا كريما، دون الحاجة إلى مد اليد أو الاستسلام للمعاناة؟.