بقلم الأستاذ
حميد طولست
الصلاة ليست
مجرد طقوس تؤدَّى؛ بل هي منهج حياة يعكس أسمى معاني الالتزام والوعي الروحي. وهذا
ما تجلَّى ببلاغةٍ في إجابة زوربا اليوناني على سؤال أحدهم حين قال له: "لا
أراك تصلي يا زوربا." فأجاب: "الذي يصلي لن تراه!". حين أُلحَّ
عليه بالسؤال عن كيفية صلاته، أجاب بإيمان عميق: "أصلي كرجل، لا كشحَّاذ وضيع
يتذلل لأطماعه ومخاوفه. أضحك وأتكلم مع الله كصديقين، ولا أطلب منه شيئًا، فهو
أكرم من أن أطلب طالما نظر فوجد حبًّا فأعطى."
إذا تأملنا
هذه الإجابة البسيطة لكنها العميقة، نجد أنها تعبر عن رؤية ناضجة لمؤمن حقيقي.
إنها رؤية تستند إلى تجربة حياتية مليئة بالاختبارات التي تفرق بين الطقوس الشكلية
التي تؤدَّى بمعزل عن القيم، وبين جوهر الدين، الذي يدعو إلى تهذيب النفس، وإصلاح
السلوك، وبناء مجتمعات قائمة على التسامح، والعدل، والإحسان، والالتزام
والتي للأسف،
أصبح كثيرون ينظرون إلى الصلاة كمجرد حركات روتينية لا تؤثر في حياتهم اليومية.
بينما الهدف الحقيقي من الصلاة هو التغيير الداخلي، الذي ينعكس في سلوك الإنسان
اليومي، كما في الحديث النبوي الشريف: "من لم تنهَه صلاته عن الفحشاء
والمنكر، فلا صلاة له."
الصلاة ليست
غاية في ذاتها، بل وسيلة للارتقاء بالنفس والوعي بالمصلحة العامة، والالتزام
بالمبادئ التي تدعو إلى احترام العمل، النزاهة، والخشوع، والتواضع، والتعايش مع
المختلف. إنها دعوة دائمة للالتزام، ليس فقط بأداء العبادات، بل أيضًا بواجبات
الحياة.
الصلاة
والالتزام في حياتنا اليومية
إن الالتزام
هو درس جوهري تتعلمه النفس من الصلاة؛ فهي عبادة مرتبطة بأوقات محددة، تُكرر
يوميًا لتعلِّمنا أهمية الوقت واحترامه. ومع ذلك، نرى في مجتمعاتنا العربية
تناقضًا صارخًا بين تعاليم الدين وسلوكيات الأفراد، حيث أصبح عدم الالتزام
بالمواعيد ظاهرة شائعة. تسمع عبارات مثل: "عنداك يكون موعد ديال
المسلمين" للدلالة على التهاون في احترام الوقت، وهو أمر ينعكس في حياتنا
الشخصية والعملية.
في بيوتنا،
نفتقر غالبًا إلى الالتزام بمواعيد النوم والاستيقاظ، ولا نعير اهتمامًا لواجبات
الأسرة أو ترتيبها وتنظيفها. هذه العشوائية أصبحت أسلوبًا متعارفًا عليه، رغم أن
الصلاة تعلمنا التنظيم والالتزام، وهي القيم التي تساعد على بناء أسر قوية
ومجتمعات ناجحة ، والتي لن تتحقق إلا بإعادة النظر في فهمنا للدين، والعودة إلى
جوهر الصلاة كوسيلة لإصلاح النفس والمجتمع. علينا أن ندرك أن الصلاة تهدف إلى غرس
قيم الانضباط، والعمل، والنزاهة، والاحترام. إنها ليست مجرد عادة، بل تجربة روحية
تعيد بناء الإنسان من الداخل ليكون عنصرًا فاعلًا في إصلاح مجتمعه.
كم هو ملهم تفسير أحد المفكرين حول ماهية الصلاة، والهدف الدنيوي من هذه العبادة العظيمة، حيث فسرها بأنها جاءت لتعلمنا الالتزام، لكون أن لها وقتاً معيّناً يجب علينا أداؤها فيه، وضمن فترات زمنية محددة ومتكررة، لكن وللأسف الكثير منا لم يتعلم الدرس، ولم يدرك الفوائد العظيمة التي كان سيجنيها لو طبق هذا الدرس الرباني، وخاصة في عصر السرعة التي بات الالتزام بمجاراتها أمراً حتمياً وواجباً، تدعونا إليه كل مظاهر الكون من حولنا ..