adsense

/www.alqalamlhor.com

2024/12/31 - 1:29 م

عبدالإله الوزاني التهامي

"لقد كان مقام ابن مشيش في المغرب كمقام الشافعي بمصر"، حسب ما قال عنه بن عباد.

بجامع "الدلم" المسيد بلغة الأهالي بدأ مولانا عبدالسلام بن مشيش حفظ القرآن الكريم على يد شيخ صالح يسمى سيدي سليم (دفين قرية "بودا" بقبيلة بني يسف) وما أن أتم ال12 عاما من عمره حتى كان متمكنا من كتاب الله تعالى.

فتعاطى منذ ذلك العمر للتعلم والاستزادة من العلم والتفتح في فنونه بادئ الأمر على يد الشيخ سيدي الحاج أقطران (المشهور بلقب "العسلاني") دفين قبيلة الأخماس، ثم أخذ عن أخيه الشريف سيدي الحاج موسى الرضى (دفين قرية أبجاو جوار تازروت).

وما هو معلوم فيما يخص سنده الروحي النوراني في طريق المتصوفة الأخيار فقد من الله عليه بشيخ صاحب الوقت هو الشيخ العارف بالله أبو محمد سيدي عبدالرحمان بن الحسن الشريف العطار المشهور بلقب "الزيات" نسبة للزياتين ابكائنة بالمدينة ابمنورة المقدسة، وتوفى الله هذا الشيخ الجليل  بالمغرب ودفن بمدينة ترغة الغمارية على شاطئ البحر، وقبره معروف هناك لدى الساكنة والعامة.

بقرية الحصن أسفل جبل العلميين من بني عروس رأى مولاي عبدالسلام بن مشيش نور الحياة، فهو بن سيدي مشيش بن سيدي أبو بكر بن سيدي علي بن سيدي حرمة بن سيدي عيسى بن سيدي سلام بن سيدي مزوار بن سيدي علي حيدرة بن سيدي محمد بن مولانا إدريس الأزهر بن مولانا إدريس الأكبر بن مولانا عبدالله الكامل بن مولانا الحسن المثنى بن مولانا الحسن السبط بن سيدنا علي كرم الله وجهه وسيدتنا فاطمة الزهراء بنت سر وسيد الوجود سيدنا ومولانا محمد عليه أزكى الصلاة والسلام.

ورغم اختلاف المؤرخين والنسابة في تاريخ ولادته (559 أو عام 563ه)، إلا أنهم أجمعوا على أنه عاش 63 عاما.

أنجب كما هو مشهور خمسة  أبناء، أربعة ذكور وبنتا، تاجهم للافاطمة الزهراء جدة الأشراف الوزانيين أبناء مولاي عبدالله الشريف، وللعلم أن بسببها التصقت صفة "دار الضمانة" بآل وزان منذ ذلك الزمان.

منذ نعومة أظفاره ظهر على حال مولانا عبدالسلام ومقاله وأفعاله أنه لم يكن يتطلع إلى شهرة أو زعامة بنفضه من قلبه لحب الدنيا وحب الجاه وحب السلطة، فوجه وجهه لله.

وبالغ في إخفاء نفسه وستر حاله حتى لا يكون مع غير الله ولا يكون معه غير الله، فتوارى عن الأعين وتباعد عن الظهور وتجرد للعبادة وفر بنفسه لحمى مولاه وغاب عن الخلق في شهود جلال الحق حتى انجلت له فيوضات جمال الله وفتحت أمامه مغالق الكون حتى رأى ما لا يراه إلا الخاصة من المصطفين الأخيار، وبذلك كله أفاض على تلميذه الوحيد سيدنا أبي الحسن الشاذلي فيضا لا ينضب ولا ينقطع ما طلعت شمس وغربت وما نزل غيث وأبنت.

من الصورة المرفقة بموضوعنا صورة تقف كدليل شامخ على محورية مولانا عبدالسلام بن مشيش في الربط روحيا وعضويا بين ربوع مملكة الأشراف الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية، بما فضل الله به هذا القطب الرباني العارف بالله من أسرار ربانية وأفضال نورانية بها جمع بين القلوب وألف بين الأمصار.

ويكفي مولانا عبدالسلام بن مشيش شرفا تتلمذ القطب الباهر سيدي أبي الحسن الشاذلي على يديه كتلميذ وحيد أضاء الكون نورا وإحسانا منذ أن أذن له ربه بنشر دعوته المحمدية السامية السنية إلى يوم الناس هذا.

يوجد مقام مولانا عبدالسلام بن مشيش بأعلى جبل العلم من قبيلة بني عروس في أقصى شمال غرب مملكة الأشراف، مرتفعا عن سطح البحر ب1386متر، بعيدا عن الحمامة البيضاء تطاون ب56كلم، وعن المدينة الراشدية شفشاون ب54كلم، وعن البوغاز طنجة ب140كلم، وعن عاصمة الإقليم العرائش ب100كلم، وعن رباط الفتح العاصمة الإدارية للمملكة ب250كلم.

من تواضعه الكبير ما يروى، أن رجلا قال له:"وظف علي وظائف"، أي اعطني أوراد ألتزم بها، فرد عليه مولاي عبدالسلام بالقول:"أرسول أنا؟!، الفرائض معلومة والمعاصي مشهورة، فكن للفرائض حافظا، وللمعاصي رافضا، واحفظ قلبك من إرادة الدنيا، واقنع من ذلك كله بما قسم الله لك، فإذا خرج لك مخرج الرضى فكن لله شاكرا، وإذا خرج لك مخرج السخط فكن عنه صابرا، وحب الله قطب تدور عليه الخيرات، وأصل جامع للكرامات، وصدق ذلك كله الورع وحسن النية وإخلاص العمل، ولا تتم لك هذه الجملة إلا بصحبة أخ صالح أو شيخ ناصح."

ومما اشتهر عنه قوله رضي الله عنه:" اللهم إن أقواما سألوك إقبال الخلق عليهم وتسخيرهم لهم فسخرت لهم خلقك فرضوا منه بذلك. اللهم إني أسألك إعراضهم عني واعوجاجهم علي، حتى لا يكون لي ملجأ إلا إليك".

وتبقى الصلاة المشيشية من أجل وأبهر وأشهر ما أثر عن مولانا عبدالسلام بن مشيش بما فيها من خيوط رفيعة رافعة -معبرة وواصفة- وموصلة لمحبة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكذالك يبقى تلميذه أبي الحسن الشاذلي أعظم شجرة غرسها وسقاها ورعاها إلى أن ترعرعت واشتد عودها وانتشرت أغصانها وفروعها باسطة ظلالها على عالم العرب وعالم العجم.

رضي الله تعالى عن مولانا عبدالسلام وعن تلميذه الأوحد وعن من تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم ببيان إلى يوم الدين.

*يتبع: مولاي عبدالسلام بن مشيش الشيخ المجاهد الشهيد.