بقلم سعيد شبري
يعد تحرير الملك العام من القضايا التي
تحتل مكانة بارزة في النقاش العمومي بمدينة فاس، هذا الفضاء المشترك الذي يمثل
جزءً لا يتجزأ من الحياة اليومية للسكان، يشهد في كثير من الأحيان تعديات متنوعة،
سواء من قبل الباعة الجائلين أو من طرف محلات تجارية تستغل الأرصفة والشوارع بشكل
مفرط.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل
يمكن أن تكتفي المدينة بحملات موسمية لتحرير الملك العام، أم أن الوضع يتطلب رؤية
استراتيجية شاملة؟
في كثير من المناسبات، تشهد مدينة فاس
حملات مكثفة لتحرير الملك العام، خاصة قبيل أحداث كبرى مثل شهر رمضان أو موسم
سياحي مهم. هذه الحملات غالب ا ما تتميز بالتعبئة السريعة للسلطات المحلية، وتترك
أثرًا ملموسًا في الشوارع، حيث تعود الأرصفة للمارة وتتنفس الأزقة الصعداء. غير أن
هذه الجهود تظل في الغالب قصيرة الأمد، حيث تعود التعديات فور انتهاء الحملة، مما
يثير تساؤلات حول فعالية هذه المقاربة المؤقتة في معالجة مشكلة عميقة ومتجذرة.
الملك العام ليس مجرد مساحة فيزيائية،
بل هو فضاء اجتماعي يعكس تنظيم المدينة واحترام ساكنيها للقانون. لذا، فإن مقاربة
تحريره يجب أن تتجاوز فكرة الحملات الظرفية لتتحول إلى اختيار استراتيجي مبني على
رؤية طويلة الأمد. رؤية تدمج بين تطبيق صارم للقوانين، تحسين التخطيط الحضري،
وتوعية المواطنين بأهمية الحفاظ على الفضاءات المشتركة.
لا يمكن إنكار أن تحقيق هذا الهدف
يتطلب موارد مالية وبشرية كبيرة، إضافة إلى تنسيق محكم بين مختلف الأطراف المعنية.
فالسلطات المحلية، المجتمع المدني، ووسائل الإعلام جميعها مطالبة بلعب أدوار
محورية لتغيير السلوكيات السائدة وضمان استدامة الجهود المبذولة. كما أن خلق بدائل
مهنية للباعة الجائلين، مثل توفير أسواق منظمة وفضاءات تجارية مهيأة، يمكن أن يسهم
بشكل كبير في حل جزء كبير من المشكلة.
إن النجاح في تحرير الملك العام بشكل
مستدام لا يقتصر فقط على استرجاع الأرصفة والشوارع، بل يمتد ليشمل تحسين جودة
الحياة للمواطنين وتعزيز صورة مدينة فاس كوجهة ثقافية وسياحية عالمية. هذا النجاح
لن يتحقق إلا بإرادة سياسية قوية واستثمار مستمر في التوعية والبنية التحتية.
يبقى تحرير الملك العام تحديًا جماعيًا
يتطلب تضافر جهود الجميع. وبينما يمكن أن تكون الحملات الموسمية وسيلة فعالة
لتحقيق نتائج سريعة، فإن الحل الجذري يكمن في اعتماد استراتيجية متكاملة تضمن
استدامة النتائج وتحافظ على روح المدينة وتراثها الحضري والاجتماعي.