adsense

2024/09/18 - 10:37 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست

تحريم الاحتفال بذكرى المولد النبي ، نموذجا.

لقد كثر مؤخرا اللغو واللغط حول مشكل إباحة أو تحريمه تخليد ذكرى المولد النبوي الشريف ، الذي كان ولازال من تقاليد المغاربة قاطبة ، وجزء من العادات التي مارسها أجدادهم ، كما الكثير من المسلمين في العالم الإسلامي ولعدة قرون ، ولا زلت أذكر أنه كان من عادات  وتقاليد مسقط رأسي مدينة فاس ، حيث كان أهلها يجلون هذه المناسبة قدر إجلالهم لصاحبها ، و كانوا يتفننون في الاحتفال بها ، ويقدمون لذلك مختلف الحلويات الشهية التي كانت من المستحيل خلو أي بيت ، مهما كان مستوى أهله المادي، منها ، وخاصة الأكلة اللذيذة المسماة بـ"لعصيدة" التي تعدها غالبية العائلات الفاسية للإفطار على نغمات الامداح النبوية ، وذلك قبل أن يتدخل بعض المتشددين من الدعاة، لجعلها ممارسة محرمة ، ويكفروا من يحتفي بروحانيتها ، التي ليست غير تعبير عن حب وتقدير للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، والتي لم يُنظر إليها قبلهم على أنها كفر أو خروج عن الدين.

فهل كنا نحن وأجدانا الذين احتفلوا بالمولد النبوي الشريف كفارا طيلة ما سبق من العقود المديدة عبر الزمان، قبل أن تأتي التيارات المتشددة ، بالدين الجديد المحرم لكل مظاهر الفرحة ومنها الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ، والتي كانت مباحة لدى معظم علماء الدين الإسلامي الذي عرفناه مسالما متسامحا طيلة 14 قرنا، الأمر المحير الذي دفع بالكثيرين لاجتراح التساؤلات المحرجة والملحة،أمثال :كيف أصبح الاحتفال بذكرى المولد النبوي بدعة مرفوضة في دين الإسلاموين الجديد المبني على العسر وليس اليسر؟

وهل من حق أي كان من هؤلاء الدعاة تحريم ما لم يحرم الله في دينه الذي أتمه للناس ورضيه لهم دينا ، بعد أن بيَّن لهم فيه ما يريده من عباده فعلاً وتركاً، من الإيمان به وحده ، وعدم الشرك به وعبادته وحده ، وإحلال ما أحله وإتباعه، وتحريم ما حرم وتجتنبه، حتى يكونوا مخلصين له الدين، وينالون رضاه، ويُنعم عليهم في الدنيا والآخرة ، بدليل قوله سبحانه وتعالى : "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"؟ لا ، تم لا، لم يكن المغاربة وغيرهم من المسلمين "كفارًا" بسبب احتفالهم بهذه المناسبة التي كانت جزءًا من تقاليدهم الدينية والاجتماعية الهادفة إلى تقربهم من سيرة الرسول وقيم الإسلام السمحة، وأنه من حيث المبدأ لا يحق لأحد تحريم ما لم يحرمه الله تعالى بنص صريح من القرآن الكريم ، وأن المنطق يفرض التعامل مع ذاك التحريم بحذر شديد، خاصة مع تأكيده سبحانه وتعالى على إتمامه لنعمته على المؤمنين ، بإكماله  لدينه  الذي ولم يترك مجالا لأي زيادة فيه أو نقص منه، بعد أن جعله صالحا لكل زمان ومكان،  حتى يرث الله الأرض ومن عليها ..

ملاحظة هذا لا يعني إقرارا ببعض السلوكيات الهمجية والطرق المتخلفة المبتدعة والمخالفة لأصول الدين التي يحتفل بها أتباع بعض التيارات والزوايا المدعية للدين..