adsense

2024/09/12 - 9:23 ص

بقلم اعتصام عثمان/ السودان

الواقع في سطور

في زوايا المدن السودانية وعلى أطراف الطرقات المزدحمة والأسواق، تظهر ظاهرة التسول كمشهد دائم يتراءى أمام أعيننا يومياً. إنها مأساة إنسانية تنبض بالوجع والمعاناة، لكنها أيضًا مرآة تعكس التفاوت الاجتماعي والاقتصادي في المجتمع السوداني.

التسول، في جوهره ، ليس مجرد طلب للمال أو الطعام، بل هو استجداء لكرامة مفقودة وحياة كريمة. إن المتسول، بجسده المنحني وملابسه الرثة، يحمل في طياته قصصًا مؤلمة عن فقر مدقع وظروف قاسية دفعته إلى الشارع. ليس كل متسول فاشل أو غير قادر على العمل، بل كثير منهم ضحايا لظروف قاهرة خارجة عن إرادتهم، مثل الحروب، والأمراض، والكوارث الطبيعية، والبطالة.

تتعدد أشكال التسول بتعدد وجوه الناس. هناك الأطفال الذين يفترشون الأرض بألعابهم البسيطة، وكبار السن الذين يتكئون على عصيهم بانتظار يد رحيمة تمتد لهم، وهناك النساء اللواتي يحملن أطفالهن بين أذرعهن، عيونهن مملوءة بالألم والرجاء.

إن الحديث عن التسول لا يمكن أن يمر دون الإشارة إلى الأسباب العميقة الكامنة وراءه. فالفقر هو السبب الرئيسي بلا منازع، وهو نتيجة لسياسات اقتصادية غير عادلة، وتوزيع غير متوازن للثروات، ونقص في فرص التعليم والعمل. كما أن الهجرة القسرية والنزاعات المسلحة تساهم بشكل كبير في زيادة أعداد المتسولين، حيث يجد الكثيرون أنفسهم مشردين بلا مأوى أو مصدر رزق.

من جهة أخرى، يمكن النظر إلى التسول على أنه جريمة اجتماعية، حيث يتلاعب بعض الأفراد بمشاعر الناس لتحقيق مكاسب شخصية. في العديد من الحالات، يصبح التسول مهنة يمتهنها البعض، مما يثير تساؤلات حول مسؤولية المجتمع والحكومة في مكافحة هذه الظاهرة. فهل نعالج المشكلة من جذورها أم نكتفي بحلول سطحية مؤقتة؟

إن معالجة ظاهرة التسول تتطلب تعاوناً مجتمعياً شاملاً، يبدأ من تحسين الظروف الاقتصادية وتوفير فرص عمل حقيقية، مرورًا بتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي ودعم الأسر الفقيرة، وصولاً إلى توفير التعليم والرعاية الصحية للجميع. يجب على الحكومة والمؤسسات الخيرية أن تتكاتف لإنشاء برامج فعالة تهدف إلى دمج المتسولين في المجتمع وتأهيلهم ليصبحوا أفراداً منتجين.

في النهاية، يظل التسول جرحاً نازفاً في جسد المجتمع، ومقياساً حقيقياً للعدالة الاجتماعية. إن تجاوز هذه الظاهرة ليس بالأمر السهل، لكنه ممكن إذا ما تضافرت الجهود وصدق النوايا. دعونا نعمل معاً من أجل مجتمع لا يحتاج فيه أحد إلى مد يده طلباً للعون، بل يجد فيه كل فرد مكانة ومكانتة.