بقلم الأستاذة
امال بنعبد الرسول
يقول الله عز
وجل: " لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا"، ونعم بالله والحمد لله على كل
شيء. لم أكن، وأنا طفلة، أشعر بأي شيء. كنت أحس بكامل الاطمئنان، لم أكن، البتة،
أتوقع أن يكون جسمي الرشيق يختزن ما يمكن أن يصبح مصدرا للقلق والآلام.
كنت أعيش حياة
عادية، على الرغم من الخطب الجلل الذي أصابني وأصاب أسرتي. فلقد انتقل الوالد إلى
عفو الله، وأنا في السنة الثانية عشرة من عمري، الوالد، رحمه الله الذي كان يغمرني
بحبه، بل كنت أشعر بأني بنته المدللة التي لا يُرد لها طلب. ومع ذلك، تسلحت
بالصبر، وساعدني حنان والدتي المكلومة ودعمها، على اجتياز المحنة بأقل الأضرار
الممكنة.
لكن، ما أن بلغت
المراهقة، وأخذت أنتبه لمعالم أنوثتي، وأولي اهتماما أكثر لذاتي ومفاتني، حتى بدأت
الآلام تقض مضجعي. كنت، في البداية، أخالها سحابة عابرة، سرعان ما ستنقشع، وتعود
السكينة إلى النفس.
أصدقكم القول، كانت
الآلام شديدة، كانت مثل مسامير حادة تنخر الجسد، مع ما كان يواكب ذلك، من توترات
نفسية. كتمت، لأيام ،وسنين عديدة آلامي.
بقيت محتفظة بالأمل، بأنها ستكون ضيفا
خفيفا، سرعان ما ستغادر. لكن الرياح لا تجري دوما بما تشتهيه السفن.
تضاعفت آلامي،
وامتدت أصداء أنَّاتِي إلى وسطي العائلي. لم تجد والدتي بُدا منَ عرضي على
الأطباء. فانطلق مسلسل الفحوصات والتحليلات والسكانر، من أجل تشخيص الداء. إثر
ذلك، خلص الأطباء إلى التأكيد بأنه ليس هناك خطر، وبأني، فقط، أعاني من مرض
الروماتيزم.، وأن الأدوية التي توصف، والتي في أغلبها مسكنات، سيكون لها الدور
الفعال في تجاوز الداء وما يفرزه من آلام.
وبالفعل، كانت
هذه التشخيصات، وما كان يردده الأطباء من أقوال مطمئنة، تغذي أملي وأمل والدتي،
وكل أفراد أسرتي، في العلاج، وتجاوزي لهذه الوضعية المرضية، لكن، وللأسف الشديد،
سرعان ما كانت تلك الآلام تعود من جديد، بل وبشراسة أكثر.
بقيت مسلحة
بالأمل، أستمد وقود الأمل من يقيني في الله عز وجل، من الإيمان الذي كان يمدني
بالطاقة اللازمة حتى أظهر أمام الآخرين، أمام أقراني وزملائي في المدرسة، أني
عادية سليمة من أي بلاء. لم تكن الآلام، على الرغم من شدتها، لتمنعني من أن أنتبه
لدروسي وأتابع مساري الدراسي بشكل عادي.
كنت أتسائل: ما
طبيعة الداء الذي ألم بيَ؟ هل هو بهذه القوة والشراسة إلى الدرجة التي جعلت
الدكاترة والأطباء، على اختلاف التخصصات، يعجزون عن تشخيصه التشخيص الدقيق
والصحيح، ويكتفون بوصف المسكنات فقط؟
من طبيعة أي شخص
يعاني من الآلام الفظيعة أن ينشغل بذاته، أن يقل انتباهه إلى ما يحيط به. وهذا ما
كان يحدث لي. كنت كثيرا ما أتأمل ذاتي، أركز انتباهي نحو دواخلي، أنصت "
لنغمات" الألم الذي لم يعد يقنع بأن يحتل حيزا ضيقا من بواطني فقط، بل كان
جشعه الكبير، يدفعه إلى بسط جبروته على كل ربوع وثنايا جسدي العليل. يتبع...