بقلم امال عبد
الرسول
المايلوما
المتعددة، السرطان الذكي والمحتال!
على الرغم من
الجهود المضنية التي بذلتها الدكتورة بثينة في انتقاء الألفاظ والعبارات التي يمكن
أن يكون وقعها أخف عليَّ، وهي تكشف لي حقيقة ما انتهى إليه التشخيص، إلا أني أحسست
وكأن الأرض اهتزت من تحتي وانفجرت براكين يعادل لظى حممها المتطايرة ما أشعر به من
آلام.
أخبرتني
الدكتورة أني مصابة بورم سرطاني يدعى المايلوما المتعددة، وهو نوع من سرطان الدم،
يتميز بكثير من الخصائص، يبقى من أبرزها القدرة على التخفي والمناورة والتحايل
واكتساح كل أنحاء الجسم. فضلا عن كل ذلك، تبين من الكشوفات أن الورم يوجد في نهاية
المرحلة الثالثة، ويتهيَّأ لدخول المرحلة الرابعة.
كان أول من
اتصلت به، بعد أن استعدت بعضا من قدرتي على التفكير والكلام، زوجي الذي، وللحقيقة،
كان دوما ينبهني إلى أن ما أعانيه، ليس مجرد روماتزم، وإنما مرض خطير، لا بد من
تدقيق التحليلات والكشوفات من أجل رصده. المهم، وكعادته، وبعد علمه بالخبر، بادر
إلى طمأنتي وحثي على التحلي بالصبر والأمل في تجاوز هذه المحنة.
بادرت، بعد
ذلك، إلى الاتصال بسيدة، هي في عداد أعز صديقاتي. يتعلق الأمر بالأخت إلهام،
الإنسانة الخلوقة العطوفة الوفية التي لم تستسغ الأمر في البداية. أجهشت في البكاء
إلى درجة أني أنا، نعم أنا، من صرت أدعوها إلى ضرورة الصبر على هذه البلوى. فلها
ولكل أفراد عائلتها خالص الشكر والتقدير.
غير أني، إذا
كنت سأنسى، فلا يمكن أن أنسى ما حييت، ولدي أسامة وما كان له من ردة فعل، لما
انكشفت له حقيقة مرضي. لن أنسى أبدا نظرته إليَّ، وأنا ممتدة على السرير
بالمستشفى. كان المسكين يخالها نظرة الوداع. تملكه بكاء هيستيري وهو يهمس إليَّ،
وأنا أحضنه بين يدي:" لماذا أنتِ بالذات؟". حاولت التخفيف عنه، رجوته
التوجه إلى الله، عز وجل، بالدعاء لنا جميعا باجتياز هذه المحنة بسلام. كما دعوته
إلى عدم إخبار شقيقه، المقيم في الرباط لتهييئ شهادة الدكتورة، مخافة أن يؤثر
الخبر سلبا على مسيرته الأكاديمية.
إن علاقتي
بأولادي، وخاصة، بولديَّ أنس وأسامة، ونحن نقف متحدين في مواجهة الداء، ورغم حداثة
سنهما، تتعدى تلك العلاقة الاعتيادية التي تربط أما بأبنائها. كنت دوما، وحتى قبل
استفحال علتي، أعامل أولادي كأصدقاء، ولم أكن معهم أبدا فظة مستبدة. كنت دوما،
وأنا أتوجه نحو السماء، ألتمس من العلي القدير الشفاء، أدعو، أيضا، لهما ولكل
أفراد أسرتي وكل أحبائي بالصبر والجلد والصمود.
بعد أن انكشفت
حقيقة الداء الذي يسكن بواطني، وبعد يوم لم يكن عاديا، تعاقب خلاله على زيارتي أعز
الناس إليَّ، حل الليل، والليالي بالمستشفيات، وخاصة الأجنحة حيث يرقد المرضى،
يكون لها وقع خاص. يعم السكون وتنقطع الحركة والدقائق تصبح ساعات. باختصار، يغدو
المكان موحشا مخيفا، وهو الأمر الذي يضاعف الآلام ويزيد من شدتها.
جفاني النوم
واستبد بي التفكير في المصير الذي ينتظرني.مما كان يزيد من أرقي، التفكير في حصص
العلاج الكيميائي " الشيميو ". لا أبالغ إذا وصفت هذه الحصص "
ساعات في الجحيم ". الحديث عنها سيكون موضوع المقالة القادمة.
يتبع...