عبدالإله
الوزاني التهامي
إن انحسار اللغة
العربية ليس وليد الصدفة وإنما هو أثر من
آثار السياسة الفرنكفونية الاستعمارية
الممارسة ضد المغرب، فبوقوفنا على كلمة "تنشئة"
الواردة على لسان المستعمر المذكور، نلمس
"وعي" المستعمر الاستراتيجي إذ القصد من ذلك التلقين المبكر للأجيال الصاعدة
القصد منه تهييء شخصية الطفل، حيث أن علماء النفس يؤكدون أن شخصيته تتشكل لغويا
ونفسيا في الأعوام السبعة الأولى من حياته، وعليه فإن لم يلقن اللغة الأم التي
ينطقها مجتمعه قبل أن يلقن أي لغة أخرى يحدث له لا محالة تشويش واضطراب في النمو
المعرفي واللغوي والنفسي. فتتمكن لغة المستعمر النافذة في أذنيه والمخاطبة لعاطفته
من الهيمنة على سلوكه العام منذ الصغر.
لم يشجع
الاستعمار الثنائية اللغوية أو التعدد اللغوي، عربية، فرنسية، أمازيغية، إلا ليخلق
مناخا مناسبا لاختراق مكونات المجتمع وشرائحه وليزرع فيهم قابلية الاستيلاب
والتدجين والتبعية. هناك حاليا جهات توظف الازدواجية (فرنسية، عربية) للدعوة لصالح
العامية أو لصالح الأمازيغية، ليصب ذلك في آخر المطاف لصالح اللغة الدخيلة
(الفرنسية).
أعتقد من جهتي،
أن اللهجات المحلية والوطنية ليست معرضة للتهديد والمضايقة من قبل اللغة العربية،
بل إن كل هذه اللهجات "مهددة في اللغة العربية" إذ بتضعضع هذه الأخيرة
وضعفها، لا تزداد تلك اللهجات إلا تيهانا وغموضا، يسهل على الآخر
"المتربص" ترويضها وتوظيفها
لأغراضه، وقد تكون بداية ذلك إشعال نار الفتنة والتطاحن بين الألسن والمناطق
المتعددة.
علما بأن المغرب
تنتشر في ربوعه لهجات مختلفة ومتعددة،
فنجد تمازيغت بالأطلس المتوسط، و تاشلحيت بمناطق سوس والأطلس الكبير، والريفية
بجبال الريف التي تمتد من غرب المغرب إلى شرقه، والحسانية الممتدة بالصحاري
المغربية، ولهجة بربرية محلية ينطقها سكان مناطق ساحلية ببني بوزرة غمارة، هذا
فضلا عن اللهجات العربية المغربية الموجودة بمناطق كثيرة من الوطن، ومن المميزات
المثيرة للاهتمام اشتراك الأهالي في العادات و الثقافة والتاريخ والتراث رغم تباين
ألسنتهم.
إن تزاوج وتمازج
العربية (لغة القرآن) والأمازيغية (لغة المغاربة التاريخية) بزواج مولاي إدريس
الأكبر بللا كنزة الأمازيغية بنت سيد أوربة، منذ قرون من الزمن، أنتج تاريخا حافلا
بالمواقف والصمود والثبات، لن تجدي ضده محاولات المستعمر المتجددة لزحزحة أركانه.
لسنا ضد وجود
لغوي متعدد، بل نقول نعم لتعدد لغوي متساو، بشرط أن تكون اللغة الوطنية الرسمية،
لغة قوية.
لأنه
لا مخرج من المأزق اللغوي في وطننا إلا بتدعيم وتقوية اللغة العربية لتقوم
بوظائفها كاملة الحضارية والسيادية والاستراتيجية، وإلا فلا استقرار لغوي مع وجود
لغة رسمية ضعيفة وهشة، ومن ثم فلا توازن ولا تعايش "لتعدد اللغات" في
بيئة غير مستقرة. وفي غياب لغة رسمية قوية، يصبح الميز اللغوي لصالح اللغة
الأجنبية أمرا لا مفر منه، مصحوب بميز إداري واقتصادي، بمعنى أن هيمنة اللغة هي
التي تفسح المجال للقوة التي خلفها للاستحواذ والاحتكار والتحكم.
وفي الواقع
الاجتماعي والنخبوي، غالبا لا ينعت الحرف العربي الفصيح (الفصحى) بصفات القصور،
ولا يشك في دوره ومهامه اللغوية الحضارية، إلا من ينعت على النقيض من ذلك الحرف
اللآتيني بصفات الكمال والتمدن، وكأن الخلل في "النون لا في سحنون" أي
في اللغة وليس في حاملها.
برهنت تحولات
عميقة عرفها العالم، على كل المستويات، أن المستقبل للغة الضاد، وبشهادة أعدائها
وأعداء الرسالة التي حملتها للناس أجمعين.