بقلم عمار مبشور
أثارني المقال الذي كتبه الأستاذ صلاح
بوسريف الذي عنونه ب "في نقد المؤسسات الثقافية"، الذي نشر بجريدة
المساء السبت الأحد 24-25 دجنبر 2022، الذي يباشر فيه الحديث عن وضع المؤسسات التي
تعتبر وصية عن الثقافة، وارتباطا بهذا الموضوع ارتأيت أن أسلط الضوء نحو وضع الثقافة
بالمغرب.
تعتبر الثقافة الجوهر والماهية التي
تحدد خصوصية كل بلد من بلدان العالم، إذ بها نميز بين الانتماءات الدينية والعرقية
واللغوية والفكرية والفلسفية.....ويكثر الحديث عنها كلما برز للعلن حدث أو سلوك،
أو ظاهرة تتخذ قالبا اجتماعيا إما بشكل لحظي أو عندما تصبح نمطا سلوكيا لدى فئة من
الناس، الأمر الذي يسترعي الانتباه إليه والوقوف عليه نقدا ومساءلة.
إن ما أشرت إليه آنفا يقيم بين الثقافة
والنقد علاقة وجودية؛ إذ لا يمكن ذكر أحدها دون الآخر، باعتبار النقد وسيلة
بواسطتها يتم إخضاع كل سلوك، ظاهرة، حدث... للمساءلة، ليتم تصنيفه ضمن ثقافة
معينة، أصيل في واحدة ودخيل عن الأخرى، بغض النظر عن مدى صلاحيته لهذه أو تلك، أو
عكس ذلك. وهذا مما تستوي فيه جميع البلدان، والمغرب لا يخرج عن هذه الدائرة.
إن الحديث عن الثقافة بالمغرب يحيلنا
على أنماط سلوكية مختلفة، تحدد طبيعة بنيته على مستوى مجالات الحياة. يتميز المغرب
بكونه بلدا منفتحا على جميع ثقافات الشعوب والأمم، الشيء الذي يجعل ثقافته في وضع
يستوجب القلق إزاءه ويضعها أمام تحديات كبرى، من شأنها أن تطمس جانبا من الهوية
المغربية، وهو ما يدفعنا إلى طرح جملة من التساؤلات: ما الإجراءات التي من شأنها
أن تحفظ ثقافتنا المغربية؟ إلى أين تسير الثقافة المغربية؟ وما المجالات التي يمكن
القول أنها أكثر استهدافا وتأثرا من طرف الثقافات الأخرى؟ ليس الهدف من طرح هاته
التساؤلات هو تقديم الإجابات عنها، وإنما الغاية من ذلك هي الدعوة إلى إشراك المتلقي
في التأمل في وضع الثقافة بالمغرب والانتباه إلى ما يحدث داخل مجتمعنا المغربي.
ولعل أبرز ما يمكننا الإشارة إليه بهذا
الصدد هو ما يحدث من تغيرات في أنماط السلوك وأشكال التفكير التي بدأت تتسرب إلى
مجتمعنا المغربي، من خلال استهداف فئتي الأطفال والشباب، لكونهما عماد المجتمع
والفاعلين الحقيقيين داخله. ويمكننا هنا أن نستحضر بعض مظاهر التحديات التي
تواجهها الثقافة المغربية على سبيل المثال لا الحصر: نمط اللباس الذي وضع قطيعة مع
النمط الكلاسيكي القديم الذي تبرز من خلاله مظاهر الحشمة والحياء، وقيم الإسلام،
في حين أننا نجده اليوم قد أصبح لباسا يميل إلى العري وإبراز تقاسيم الجسد،
والجدير بالذكر أن هذا الأمر لا يقتصر على لباس الإناث فقط، بل يشمل حتى لباس
الذكور.
يحضرني كذلك نمط الأكل الذي تخلى عن
الحميمية والألفة، التي كان يمنحها للإنسان المغربي، من خلال الأكل الجماعي رفقة
الأسرة أو العائلة، لصالح الأكل الفردي الذي يعتمد بالأساس على الوجبات السريعة أو
غيرها من الوجبات التي يتناولها الفرد بمعزل عن الجماعة. وهنا أشير إلى أن هذا
السلوك يعد دخيلا على الثقافة المغربية، وإذا ما تأملنا في هذا نجد أن الأمر لا
يقتصر على تغيير في السلوك، وإنما هو أعمق من ذلك وأخطر بكثير، إذ ينشر قيم
التشردم والأنانية وتفضيل الذات عن الغير، والاكتفاء بالمصلحة الفردية بدل المصلحة
الجماعية.....
إن كل ثقافة تنبني على تفاصيل قد تبدو
للإنسان الذي لا يعمل العقل في التفكير في طبيعة الأشياء أنها بسيطة، وليس لها
تأثير، والأمر غير ذلك، فأصل الأشياء دقائقها. ولذلك جاز لنا أن نطرق جرس الخطر
تجاه الثقافة المغربية وننبه إلا المسار الذي باتت تسير فيه دون إرادة واعية من
أهلها.