انتظمت نهاية
الأسبوع المنصرم بمدينة الدارالبيضاء، فعاليات أكاديمية وثقافية، لمناقشة موضوع
"السياسات الثقافية بالمغرب.. المرتكزات، الفاعلون والأدوار"، في لقاء
من تنظيم "جمعية نظرة للثقافة والإعلام".
اللقاء الذي
جاء –حسب المنظمين- في سياق تقديم دراسة حول "ملامح السياسة الثقافية في
تصورات وبرامج الأحزاب السياسية"، انطلق بتقديم أهم خلاصات هذه الدراسة التي
أنجزها الباحث عبداللطيف الحاجي، حيث أشار الباحث في عرضه لأهم الخلاصات بأن
الأحزاب السياسية تتعامل مع الثقافة وفق منطقين متناقضين:
الأول، يتجلى
في إقرار معظم الأحزاب من خلال أدبياتها وخطابها بأهمية السياسة الثقافية في مغرب
يستند على التنوع والتعدد الغني والمتيح لفرص متعددة من أجل جعل الثقافة في قلب
السياسات العمومية، لكن على مستوى تقديم التصورات في إجراءات وتدابير يحضر الغموض
ليس على مستوى طبيعتها ولكن في غياب تقديم تصور عن الكيفيات والآليات الكفيلة
بترجمة الوعي بأهمية السياسة الثقافية بما هي سياسة عمومية تقدم أجوبة على إشكالات
تهم التنمية والتطلعات الملحة للمواطنات والمواطنين.
الثاني، أن
الأحزاب التي تقدم تصورا فكريا مهما من خلال أدبياتها تصبح أمام صياغة الأهداف
والإجراءات والتدابير شبيهة بالأحزاب التي لا تستند على أي بناء فكري أو زخم
تاريخي في التعاطي مع المسألة الثقافية، وبذلك يكون التعاطي مع الثقافة ضمن
البرامج الانتخابية أشبه ما يكون بقالب لهذه البرامج عليها أن تملأ فراغات كل
محاوره، دون الاستناد على تشخيص دقيق، يفضي إلى تقديم إجراءات أكثر دقة كما هو
الحال في بقية المحاور، خصوصا منها الاقتصادية.
وعرف اللقاء
مشاركة الأستاذ بجامعة "شعيب الدكالي" وعضو اتحاد كتاب المغرب، الشاعر
والكاتب "عبدالدين حمروش"، الذي أشار في حديثه عن الأحزاب السياسية
بالمغرب، إلى كون هذه الأخيرة لم تعد تهتم بالأوراق الثقافية سواء من خلال الوثائق
المقدمة إلى مؤتمراتها أو البرامج الانتخابية، وهذا لا يعود فقط –في نظره- إلى
انحسار دور المثقف داخل الأحزاب السياسية فقط، بل إلى تراجع دوره داخل المجتمع
بشكل عام. هذا الانحسار في أدوار المثقف أنتج لنا في الوقت الراهن المثقف
الأكاديمي، وهو ذلك الذي يقدم خبرته ومعارفه لصالح مؤسسات داخلية وخارجية، دون أن
يساهم في النقاش المجتمعي، كما أن هناك –حسب المتدخل- نوع من إبدال مثقف الحزب
بمثقف الفايسبوك.
واعتبر
الإعلامي والمترجم "محمد جليد" في مداخلته، خلال هذا اللقاء، بأن موضوع
الثقافة والسياسة معقد ومركب وشائك لعدة أسباب، منها أن هناك تاريخ طويل يميز
التفاعل بين المثقفين والسياسيين، كما أن هناك تعدد الفاعلين سواء في الثقافة أو
السياسة، وما زال هناك إلى اليوم شبه غياب لدراسات حول السياسات الثقافية لدى
"الأحزاب السياسية" و "الجمعيات" و "الجامعات"...،
وفي إطار تاريخ التفاعل بين السياسة والثقافة –يرى جليد- بأن هذه الأخيرة كانت
دائما الضحية، ففي فترة الاستعمار استغلت الثقافة للدفاع عن وحدة المغرب وتقوية
الشعور الوطني إلى غير ذلك، وهو استغلال لا يمكن النظر إليه بسلبية، لكن الثقافة
ظلت دون مكانة سياسية حتى مع بروز قوى اليسار التي كانت تتناولها في الخطاب
السياسي كمرتكز.
خلصت مداخلة
الأستاذ جليد إلى أن البرامج السياسية لدى الأحزاب والحكومة لا تأخذ الثقافة
باعتبارها مجالا للتنمية والاستثمار، كما أن الدعم الذي تخصصه وزارة الثقافة لا
ينبني على استراتيجية للنهوض بالثقافة، حيث ظلت هناك تعثر وتردد بعد مجموعة من
المشاريع التي أطلقها الوزير "محمد الأشعري"، لكن لا يجب –حسب المتحدث-
تحميل المسؤولية للأحزاب والحكومة فقط، بل إن المثقفين يتحملون مسؤولية في عدم وضع
تصورات، إذ هناك غياب لورشات من أجل وضع لبنة السياسات الثقافية بالمغرب.