بقلم الأستاذ
عبد الغني فرحتي
كثيرة هي
المعطيات التقنية والتأطيرية والتنظيمية التي أحاطت بهذا الحدث المتميز، معطيات
قيل عنها الكثير والكثير، وبالتالي، لا داعي للخوض فيها من جديد. غير أننا نرى
ضرورة الوقوف عند بعض الدروس والعبر والرسائل التي أفرزها هذا الحدث العالمي التي
احتضنته دولة قطر 2022.
لقد أبرزت تلك
الحملات المناوئة لاحتضان قطر لهذا المونديال، وكذا الإصرار على فرض عادات لا
تتوافق مع خصوصيات ثقافة البلد المنظم، استمرار نزعة التمركز حول الذات واستفحال
أورام الاستعلاء في الذهنية الغربية، عبر محاولة التستر خلف شعارات براقة، أفرغوها
من محتواها وأفقدوها نبلها.
من الدروس
المهمة المستخلصة أيضا، الوعي بأن المونديال الكروي يتعدى كونه مجرد حدث رياضي،
فقد غدا مجالا للتلاقح بين حضارات وثقافات متنوعة، بل وحلبة للتصادم بينها. في هذا
الإطار، وجد المنتخب المغربي نفسه، لا يمثل المغرب فقط، بل غدا يحمل لواء كل العرب
والأفارقة، بل ولواء الأمة الإسلامية. لقد لاحظنا، باندهاش، كيف تفاعل العديد من
الشيوخ والدعاة مع إنجازات أسود الأطلس.
أغلبية عناصر
منتخبنا الوطني تنحدر من بلدان المهجر، لكن ذلك لم يمنعهم من أن يقدموا نماذج
راقية جدا في الارتباط بالجذور، والافتخار بالانتماء لموطن الآباء. ولعل تفضيلهم
تمثيل البلد الأصلي على تمثيل البلد الذي ولدوا وتكونوا فيه، رغم كل الإغراءات،
يعطي من العبر، ما ينبغي استثماره في المقررات الدراسية الخاصة بالتربية الوطنية.
لقد كشف هذا
المسار الموفق للمنتخب الوطني، أنه حين يوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب،
حين تتوفر النية الحسنة والإرادة الصادقة والحس الوطني النبيل، لا يمكن أن تكون
الثمار إلا نجاحا وفلاحا.
لم يكن للناخب
الوطني، أن يروض أسوده، القادمين من سياقات مختلفة ومرجعيات كروية متنوعة،
ليتحولوا إلى كتيبة منسجمة، لولا تلك القدرة التواصلية الهائلة. كان الكلام يخرج
من القلب، وينفذ إلى القلب، بعيدا عن " لغة الخشب " المعتادة.
لقد وحدتنا
" المستديرة "، وصرنا جميعا نفتخر بارتداء القميص الوطني، ونعتز بحمل
الأعلام الحمراء ذات النجمة الخضراء، وهو أمر، تأكدنا، بعد أن تجاوزنا
"الثمالة" واستعدنا وعينا الكامل، أنه لم يكن حلما، بل هو واقع حقيقي
أدخل البهجة على كل القلوب.
فلماذا لا يكون
هذا الحلم منطلقا للعمل والمثابرة من أجل تحقيق أحلام أخرى، أحلام من شأنها أن
تكافئ كل مواطن على اعتزازه اللامشروط بوطنه؟ إن نجاحنا في هذا الورش الكروي، يبشر
بأن النجاح في أوراش أخرى ممكن، أوراش الرقي بالمنظومات التعليمية والصحية
والقضائية، أوراش إعادة تأهيل مؤسسات الوساطة من أحزاب وجمعيات ونقابات، أوراش
إعادة تأهيل النوادي الرياضية التي، للأسف، ما تزال تطغى على تدبيرها الشخصنة
وتفتقر إلى المأسسة.
لقد أذكت فينا
كتيبة الركراكي أنوار الحلم بالغد الأفضل. فحيَّ على الحلم، حيَّ على العمل.