بقلم الأستاذ
حميد طولست
الواقع
والحقيقة شيء والمجاملة شيء آخر، إلا أن الحقيقة والواقع يكون لذكرهما فعل السحر
في إغضاب الكثير ممن تعودوا على المجاملة المضللة للحقائق والمزورة للواقع ، التي
كلما أفلست الأحزاب فيها ، لجأ شياطينها لللعب على أوتار القضية الفليسطينية ،
التي تعودت الحركات الإسلاموية على استعمالها في كل بلاد المسلمين ، كمدخل سهل
وسريع لمشاعر الناس لا عقولهم ، من أجل الوصول إلى السلطة أو العودة إليها- لمن
فقدها- خدمة لمصالحهم الضيقة ، الأمر الذي لم تحد عنه التيارات الإسلاموية
المغربية ، التي نصب بعضها نفسه -بمعية بعض الفصائل اليسارية - كمدافع عن الحقوق
الشرعية لفلسطين ، أكثر من أي فليسطيني حمساوي - نسبة لحركة حماس التي فضلت هذه
المرة عدم الدخول لمواجهة إسرائيل - كما
يظهر ذلك اليبان الذي رُوج له مؤخرا ، والذي لا ولن يحتاج لقرأءة معمقة حتى تتبين
وبسهولة لحظية انتهازيته ، وينكشف بالملموس، أنه ما جاء إلا لدغدغة المشاعر
الدينية والمذهبية ، وتحويل الطائفة والمذهب، إلى آلة تجييش كبرى، تحركها الغرائز
الأنانية ، بدل العقل، وتفجرها الأولويات الزائفة والمتخيّلة ، بدل المصالح
الواقعية للقضية الفلسطينية التي تبقى في
حد ذاتها آخر ما قد يهم أصحاب البيان ، بقدر ما يعنيهم ما تثيره من نقاشات مجتمعية
، وما تخلقه من فرقة وانقسامات ، تُستغل أبشع استغلال للوصول إلى السلطة ،
المحكومة بمعايير الهوى الشخصي والمصلحة الذاتية
المغلفة بالمزايدات السياسية وما تخفيه في طياتها من صراعات جيوستراتيجية
مفبرك ، وحروب مصالح ومحاور مصطنعة ، المخالف للصورة المخادعة المسوقة عن القضية
الفلسطينية التي يزج بها لتلعب دور المحرك وأداة الحشد والتعبئة ، في الصراع
الإسلاموي المشحون بالحنين إلى التحكم بالمصائر الذي يمد الأدمغة المهوسة به، بطاقة قوية تثير الشعور الشديدة بالرغبة
العارمة في استعادة ما تمنحه السلطة من بهرجة اجتماعية ، ووجاة سياسية ، ومكاسب
اقتصادية ، وتغريهم بخوض مختلف التجارب واستعمال كافة الوسائل لاسترجاع المفقود
منها، الغاية التي غالبا ما توقع عشاقها في صراع نفسي بين
العقل والعاطفة ، والذي غالبا ما تتغلب فيه
العاطفة المستمدة من المشاعر والأحاسيس على الحكمة والمنطق والعقل ، كقوة
فعالة في الصراع ، لتدفع به نحو إتخاذ القرارات المناقضة الحكمة والمنطق والعقل ،
والغير مضمونة النتائج ، التي قد تؤدي إلى الفشل في عودة السلطة ، الأمر الذي لا
ولن يتورع المهوسين بها حد العبادة ، في
ارتكاب الحماقات لأجل استرعاجها ، ولو تطلب الأمر الدفع بالمجتمع بكامله الى أتون
حروب أهلية وتحويله الى وقود فيها ، أو توريطه في حرب ليست حربه، باسم القضية
الفلسطينية ، وهم سادة واساتذة في توريط
الجماهير، ويتميزون بمقدرات خيالية يحسدون عليها في مهارة القفز بمنتهى الخفة
والرشاقة من حال إلى نقيضه فى أحاديثهم ومواقفهك ، يمكنهم فائض النفاق الذي
يمتلكون من أن يقولوا ما لا يفعلون إلا إذا خافوا الفضيحة، وأن يفعلوا ما لا
يقولون إلا إذا كانت هناك مصلحة ، ما يحجب حقيقتهم عن الجماهير ويضللهم عن الاهداف
الحقيقية التي يخفونها بالتغنى بحب الوطن ، وانشاد في حبه أعظم الكلمات وأشهى
الألحان ، لكن عند إثبات ذاك ، لا يتوانى محبي السلطة منالأحزاب وقياداتها عن
استخدام أي حيلة وشعار لخلق أزمات ومشاكل لخدمة مصالحهم الخاصة بحجة خدمة القضية
الفلسطينية ، التي تبقى مجرد شعارات جوفاء مشحونة بالنصائح والمواعظ والعبارات
المأثورة ، وهم يعلمون أنه لا شيء أسخف من النصح والوعظ وإلقاء الدروس على من تردّ
حاله وساءت أحوله ، لأن الوطنية الحقة ، هي ما تفعله بينك وبين نفسك ، وليس ما
تعلنه في حضور الناس ولا تفعله.