السيد الأمين
العام للرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب؛
السيدة
المستشارة الخاصة للأمين العام لهيئة الأمم المتحدة المعنية بالإبادة الجماعية
ومسؤولية الوقاية؛
السيد (ة)
ممثل شبكة صناع السلام الدينيين والتقليدين؛
السيد ممثل
مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات
"كايسيد"؛
السيد (ة)
ممثل مجلس الكنائس العالمي؛
السيدات
والسادة ممثلو هيئات ووكالات الأمم المتحدة؛
السيدات
والسادة ممثلو الجمعيات والمنظمات الوطنية والدولية؛
السيدات
والسادة القادة الدينيين لمختلف الأديان والمذاهب والطوائف؛
السيدات
والسادة الخبراء والعلماء والمتخصصين؛
السيدات
والسادة ممثلو وسائل الإعلام؛
يسعدني أن
أتواجد معكم اليوم في افتتاح أشغال هذا المنتدى الدولي الذي تحتضنه المملكة
المغربية، وأرحب بكافة الضيوف الكرام من المؤسسات والهيئات الدولية والمنظمات غير
الحكومية والخبراء والفاعلين للاحتفال بالذكرى الخامسة لوضع خطة عمل فاس المنبثقة
عن منتدى فاس المنظمة في أبريل 2015 حول دور الزعماء الدينيين في منع التحريض
المفضي إلى الجرائم البشعة.
والمؤكد أن
هذا اللقاء، يشكل مناسبة على قدر كبير من الأهمية لتقييم منجزات إعمال خطة عمل فاس
بعد مرور خمس سنوات من اعتمادها، وطرح ومناقشة تحديات جهود مكافحة ظاهرة التحريض
على العنف وخطاب الكراهية، والبحث عن سبل ناجعة وفعالة لمواجهتها من طرف كل
الفاعلين في ظل ظرفية دولية ما زال يشكل فيها التطرف العنيف ظاهرة معقدة تشغل بال
المنتظم الدولي الذي ما فتئ يبذل قصارى الجهود لمواجهتها في إطار احترام المعايير
الدولية لحقوق الإنسان.
حضرات السيدات
والسادة؛
اسمحوا لي
بالتذكير أن المملكة المغربية باعتبارها بلدا يتوفر على رصيد تاريخي غني بالتسامح
والتعايش والتمازج بين الأديان، بحكم الدور التاريخي والمركزي لمؤسسة إمارة
المؤمنين التي يمثلها رئيس الدولة، جلالة الملك حفظه الله، في بعدها الرمزي
والروحي والوظيفي، كضمانة وركيزة أساسية لحماية الحقوق والحريات المكفولة بموجب
الدستور والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي يعد المغرب طرفا فيها، مما يضمن
الطمأنينة الدينية والروحية، ويحمي المجتمع من كل غلو أو انحراف في تفسير الدين
لأغراض التحريض على العنف والتمييز والكراهية، فضلا عما تخوله إمارة المؤمنين من
أدوار في إطار الديبلوماسية الدينية الموجهة إلى البلدان المجاورة والصديقة
المهددة بالتطرف الديني، من حيث نشر العبادة، وخاصة تدريب الأئمة.
ولهذا، تولي
بلادنا أهمية قصوى لمسألة التحريض على الكراهية ونبذ العنصرية والعنف المفضي إلى
الجرائم البشعة، ويجعلها تدعم التوجهات الدولية الهادفة إلى تعزيز الحوار والنقاش
الدولي حول نشر قيم التسامح والاعتدال، ولاسيما من خلال الحرص على احتضان لقاءات
ومنتديات دولية تنبثق عنها وثائق مرجعية، مثل خطة عمل فاس التي نلتقي اليوم لتقييم
تنفيذها، وباعتبارها امتداد لخطة عمل الرباط بشأن حظر الدعوة إلى الكراهية القومية
والعنصرية والدينية، المعتمدة سنة 2012؛ وإعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في
العالم الإسلامي، المعتمد سنة 2016.
ولعل
الاستقبال الرسمي الذي خصه أمير المؤمنين لقداسة البابا فرانسيس، بابا الكنيسة
الكاثوليكية، للمغرب خلال سنة 2019 والخطاب السامي الذي ألقاه جلالته بالمناسبة
والذي ذكر فيه بقيم التسامح والتلاحم الذي تجمع بين المغاربة، بغض النظر عن اختلاف
معتقداتهم، نموذجا ساطعا في مجال التعايش والحوار بين الأديان والحضارات.
حضرات السيدات
والسادة؛
إن التطرف
الديني والفكري والعنف المفضي إلى ارتكاب الجرائم، كما لا يخفى علينا جميعا، يقوض
السلم والأمن والتنمية المستدامة ويشكل تهديدات مباشرة وانتهاكات جسيمة لجميع
أصناف حقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحـق في الحيـاة والحـق في الحريـة والأمـن
الشخصـي وحريـة التعـبير وحريـة الفكـر والضمير والدين، مما حدا بالأمم المتحدة
إلى تسخير مختلف الإمكانيات والوسائل والعمل على تطوير المعايير والآليات المناسبة
واتخاذ المبادرات الدولية والإقليمية لمواجهة هذا التحدي الكوني، ومنها خطة عمل
فاس كوثيقة مرجعية نوعية تنصب على دور القيادات الدينية والجهات الفاعلة لمنع
التحريض على العنف الذي من شأنه أن يؤدي إلى الجرائم الوحشية.
وإذا كانت خطة
عمل فاس، تروم في جوهرها حماية وتعزيز حقوق الإنسان، خاصة حرية الرأي والتعبير
وحرية الدين والمعتقد والتجمع السلمي، فضلا عن توصياتها الوجيهة ومقترحاتها
البناءة الموجهة إلى كل الفاعلين للإسهام في منع انتهاكات حقوق الإنسان والحد من
التطرف العنيف وجميع أشكال النزاعات العنيفة، فإن المملكة المغربية تواصل بفخر
واعتزاز إعمال هذه الخطة ليس فقط كالتزام دولي تمخض عن مشاورات قبلية استكملت
محطاتها بمدينة فاس قبل سبع سنوات، وإنما أيضا كتجل ملموس لانخراطها المسؤول منذ
عقود في جهود مختلف آليات الأمم المتحدة المعنية، التي ما فتئت تدعو إلى تنويع
مداخل مواجهة التطرف ومناهضة خطاب التحريض على الكراهية أو العنف على أساس الدين
أو المعتقد.
وهكذا انسجاما
مع روح وأهداف هذه الخطة، واصلت المملكة المغربية طيلة الخمس سنوات الأخيرة، تجسيد
إرادتها الراسخة لمكافحة كل تطرف أو انتشار لخطاب الكراهية أو التحريض عليه من
خلال منجزاتها الميدانية في مختلف المجالات الدينية والأمنية والتشريعية والحقوقية
والثقافية والتنموية. ففي مجال تدبير الشأن الديني، ولأجل تعزيز مقاربتها الوطنية
في نشر قيم الاعتدال الديني والوسطية والتسامح ونبذ العنف، تتم مواصلة جهود إصلاح
وإعادة هيكلة الحقل الديني من خلال برامج تكوين وتأهيل الأئمة والمرشدين الدينيين
والمرشدات الدينيات بخصوص الوظائف الاجتماعية للمساجد، وتيسير نقل فهم صحيح وسليم
لإسلام منفتح ومعتدل.
كما تم في نفس
السياق، اتخاذ مبادرات جديدة تمثلت في مراجعة مناهج ومقررات التربية الدينية
بمؤسسات التربية والتكوين العمومية والخاصة والمعنية بالتعليم العتيق، مثلما تمت
إعادة تنظيم وتحديد مهام جامعة القرويين وتجديد وظيفتها ونظام الدراسة والتكوين
بها، بهدف تعزيز دورها في التعريف بالفقه المالكي وتاريخ المغرب والتواصل الخارجي،
اعتبارا لمكانتها التاريخية كمؤسسة للعلوم الدينية والدراسات والفكر والحضارة
الإسلامية.
حضرات السيدات
والسادة؛
لقد واصلت
المملكة المغربية انخراطها الجاد في جهود مكافحة الخطاب المتطرف والحد من انتشاره،
من خلال الملتقيات والندوات التي ما فتئت تنظمها المؤسسات المختصة أو تدعم تنظيمها
أو تشارك فيها، كالمنتدى الأول للعلماء الوسطاء حول الوقاية من التطرف العنيف
المنظم سنة 2016، الذي شارك فيه قياديين دينيين شباب ومثقفين، ومؤسسات جامعية،
ومكن من إجراء تقييم لخطاب التطرف الديني، إقليميا ودوليا، وقدم مقترحات علمية
لمواجهته. واحتضان الندوة الخاصة بمتابعة خطة الرباط+5 في دجنبر 2017، والندوة
الدولية الرابعة للهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان لمنظمة التعاون الإسلامي
حول موضوع "دور الإعلام في مكافحة خطاب الكراهية" أواخر 2017، والتي
تمخض عنها إعلان الرباط. علاوة على المشاركة في الندوة الدولية الخامسة لنفس
الهيئة حول موضوع:"دور الإسلاموفوبيا: انتهاك لحقوق الإنسان ومظهر معاصر
للعنصرية"، باسطنبول سنة 2018.
في نفس
الإطار، واستحضارا للتحديات المختلفة التي بات يطرحها التطرف وما يستلزمه من تجديد
للخطاب الديني، واصلت المملكة المغربية جهودها كبلد إفريقي من خلال عدة مبادرات نوعية
للتعريف بنموذج سلوكها الديني ونشره وتوطيد سبل التعاون وتبادل التجارب، كان
أبرزها إحداث المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة خلال سنة 2017،
من أجل تنسيق جهود العلماء في التعريف بالصورة الحقيقية للدين الإسلامي وقيمه
القائمة على الاعتدال والتسامح والتعايش، وجعلها في خدمة الأمن والاستقرار
والتنمية.
حضرات السيدات
والسادة؛
ليس ترفا في
القول، التذكير، بأن المملكة المغربية المنخرطة بشكل جاد ومسؤول في تفعيل
استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، قد راكمت خبرة وطنية في هذا
الصدد جعلتها نموذجا مطلوبا للاسترشاد والاستعانة به من طرف دول عديدة، مما مكن من
مواصلة تنفيذ سياسة أمنية فعالة أساسها اليقظة والرصد والاستباق ومنع أعمال
الإرهاب والتطرف العنيف وتلافي آثار هذه الآفة وإبعاد مخاطرها.
ومما يلزم
الإشارة إليه هنا أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف والإرهاب تجاوزت المرتكز
الأمني الناجع،إلى تنمية القدرات وتوفير فرص التكوين من أجل مكافحة الظاهرة وتيسير
عمليات الإقناع والتصحيح والمراجعة، مما أسفر مؤخرا عن إحداث مكتب برنامج بالمغرب
لمكافحة الإرهاب والتكوين في إفريقيا، تابع لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب،
بهدف تعزيز قدرات الدول الأعضاء ببلورة برامج وطنية للتكوين في مجال مكافحة
الإرهاب.
وفي نفس
الإطار،يتواصل تنفيذ برنامج "مصالحة" الذي تم إطلاقه منذ 2017 لمواكبة
وتأطير نزلاء المؤسسات السجنية المعتقلين في قضايا الإرهاب والتطرف، باعتباره
برنامجا نموذجيا ينخرط فيه فاعلون مؤسساتيون في مجالات التأهيل النفسي والمعرفة
الدينية المعتدلة وإعادة الإدماج وحقوق الإنسان، ويرتكز على مداخل التأطير الديني
السليم، والتأطير القانوني والحقوقي، والتأهيل السوسيو-اقتصادي، والتأهيل النفسي،
وقد مكن من المراجعة الفكرية لعدد مهم من المعتقلين الذين كانوا يعتنقون
"الفكر السلفي الجهادي"، وأطلق سراح عدد كبير منهم استفاد من الاندماج
مجددا في المجتمع ونبذ خطاب التطرف.
حضرات السيدات
والسادة؛
إدراكا منها
بأن القانون يعد أحد الآليات الفعالة لضمان السلم والأمن والحماية من العنف والوقاية
من الجريمة، ورغم توفرها على ترسانة قانونية تغطي جميع الجرائم وأعمال العنف
والتحريض عليها، تواصل المملكة المغربية تنفيذ أوراشها الإصلاحية لتطوير منظومة
تشريعية وطنية متلائمة مع الدستور الذي جرم كافة الانتهاكات الجسيمة لحقوق
الإنسان، ومنسجمة مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة الاتفاقيات الدولية التي
يعتبر المغرب طرفا فيها.
وفي هذا
الصدد، تمت مراجعة النصوص القانونية المتعلقة بحرية الصحافة والنشر والفكر والرأي
والتعبير، مثلما تجري مراجعة النصوص المتعلقة بالمنظومة الجنائية، وذلك بغرض
الإصلاح والتوحيد التشريعي فيما يخص جرائم التحريض على الكراهية والتمييز العنصري
والإرهاب أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية أو التعذيب أو
الإشادة بها أو التمييز بسبب الدين أو الجنس أو اللون.
وفي مستوى
آخر،وانسجاما مع مستلزمات مكافحة عوامل ومسببات العنف والتطرف العنيف،اعتمدت
المملكة المغربية نموذجا تنمويا جديدا،كمشروع مجتمعي وطني في أفق 2035، يسعى إلى
توفير شروط مشاركة جميع المواطنات والمواطنين في عملية التنمية المستدامة وإدماجهم
في كافة مناحي الحياة العامة ارتكازا على تطوير القدرات والولوج المتكافئ للفرص وتعزيز
ممارسة الحقوق والحريات، وهو النموذج الذي تم الشروع في تفعليه توازيا مع إطلاق
مبادرة نوعية لترسيخ الحقوق الاجتماعية وتكريس مبدأ المساواة وعدم التمييز بين كل
فئات المجتمع، باعتماد برنامج للحماية الاجتماعية الشاملة، كورش وطني طموح يجري
تفعيله، بشكل تدريجي، في أفق خمس سنوات، من خلال تعميم التأمين الإجباري الأساسي
عن المرض والتعويضات العائلية، وتوسيع الانخراط في نظام التقاعد، وتعميم التعويض
عن فقدان الشغل.
حضرات السيدات
والسادة؛
لا يسعني
ختاما إلا أن أتوجه بالشكر والامتنان إلى كل الهيئات والمؤسسات المنظمة والمشاركة
على اختيار المملكة المغربية، أرض الحوار والتسامح والاعتدال، لتنظيم هذا المنتدى
الدولي النوعي، وأود التأكيد على أن الحكومة المغربية ستتابع باهتمام كبير أشغاله
التي ستكلل لا محالة بالنجاح والتوفيق، مثلما نتطلع أن تشكل نتائجه دعامة نوعية
لمواصلة تفعيل خطة عمل فاس وكل الأعمال الدولية المماثلة لمكافحة خطاب الكراهية
والتمييز والعنف ونشر خطاب التسامح والتعدد والتنوع والاعتدال الذي ما زال يحتاج
إلى جهود كل الفاعلين ومزيد من التعاون الدولي وتعزيز آليات الحوار بين الحضارات
والثقافات والأديان.