adsense

/www.alqalamlhor.com

2022/04/21 - 3:51 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

كلما ذكرت لفضة "الرياضة" إلا وتبادر إلى الأذهان ذلك المجهود الجسدي الممارس وفق قواعد متفق عليها بهدف الترفيه أو المنافسة أو التميّز والحفاظ على الصحة البدنية والعقلية، كما تؤكد ذلك المقولة المتداولة "العقل السليم في الجسم السليم" ، دون الإنتباه أن هناك رياضات أخرى خاصة بالنفس الإنسانية تقيها حالات الفتور والضعف والملل الذي يعتريها والتي هي كما قال فيها الشاعر البصيري:

والنفس كالطفل إن تتركه شب على...حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم.

ولا شك أن تأثير الرياضة ليس بمقتصر على الجسد والعقل وحدهما، من خلال الألعاب الفردية أو الجماعية التي يفضلها الإنسان ، بل إن تأثير الرياضة له جانب آخر هو في حقيقته تأثير نفسي تقوم به الرياضة الروحية التي أوجدها الإسلام –كما باقي الكثير من الديانات الأرضية، "البودية والبرهمية" على سبيل المثال، والسماوية المسيحية واليهودية – كوسيلة لتربية النفس وتطهير الروح والإرتقاء بهما إلى أعلا درجات الرقي وأسمى المعاني الحقيقية من خلق هذا الوجود ،لأنه إذا كان الإنسان في حاجة ملحة للرياضة البدنية -أي  «Sports بالفرنيسة -بكل تفاصيلها وزواياها وأشكالها وألوانها الجماعية أو الفردية ، من كرة قدم وسلة وطائرة ويد وألعاب قوى وغيرها الكثير الكثير من الرياضات ،لتنمية بدنه وتقوية عضلاته لتتحمل الأعمال المجهدة والشاقة ، فإن النفس هي الأخرى في أشد الحاجة للارتياض برياضة روحية تزكيها وتهذب غرائزها وتقوي إرادتها وتهيئها لتكون قادرة على مواجهة الوقوع في الأخلاقيات والسلوكيات والتصرفات المدمرة لنقاء فطرتها السليمة التي خلقها الله عليها ، بدليل قوله سبحانه: «فطرة الله التي فطر الناس عليها» الفطرة التي تمكن الإنسان من القيام بدوره الفاعل والفعال في الحياة، والذي يحول دون ممارسته لذلك الدور بلا انعزال أو انحراف عن المقاصد السامية لوجوده ، ما تعرف النفس البشرية من تقلباتها بين الفتور والشرود والذهول عن القيم المزكية والمطهرة لها ، والمتمثلة في الصفات والخصال المشوهة لها ، كالكذب والغش والتزوير والنفاق والإضرار بالغير والأنانية والتباغض والكراهية والحسد، وباقي الأخلاقيات والأعمال القلبية الدونية التي تتلبسها ، والتي شرع الإسلام الصوم كرياضة روحية ،  لحمايتها منها براقبة ،وتهذيبها وتنزهها وتطهرها من أدناسها المدمرة لأخلاق الفطرة الإنسانية الطاهرة، الهدف والمراد والمقصد الأسمى من فلسفة فريض الصوم، لأن الإنسان عندما يصوم يفرض رقابة على نفسه وروحه، حتى يكتمل لصيامه ،فتتزكى وتتطهر نفسه من كل الشرور المكتسبة من محيطه ، ولتحقيق ذلك لا بد من تكامل الصيامين المادي والروحي ، لأن الصوم المادي الذي يفتقد إلى الصوم الروحي، صوم فاسد ومنعدم ، ولا تأثير له على النفس والروح ، ولا يرتقي بالذات البشرية من البهيمية التي جاءت مقاصد الشريعة لمحاربتها .