بقلم الأستاذ
حميد طولست
لم أعرف في
حياتي حيرة أشد وأقوى من تلك التي اعترتني حين خطرب ببالي فكرت تغيير لعبة
المهرجانات والإحتفالات التي تعودت وسائل الإعلام على اقامتها لإنتقاء أفضل شخصية في نهاية كل عام ، الحيرة
التي احتدت وتفاقمت مع البدء في تنفيد ما تبديل القواعد التي دأبت الإستفتاءات والإستطلاعات
والتصويتات على اعتمادها لنصيب بعض الشخصيات على عروش الأفضلية ومراتب التميز من
بين علية القوم من الوزراء والشعراء والمدراء والخبراء والفنانين والصحفيين
والرؤساء والهيئات وأصحاب الشركات والتجار، قلب معادلتها ، وتحويل دفتها نحو
التنقيب على من يستحق حمل تاج السوء والرداءة من بين عامة الناس.
والطريف والمثلج
للصدر في هذه الفكرة ، هو أن نتائج الإستفتاءات والإستطلاعات والتصويتات
واستقراءات الرأي التي قمت بها لذلك الغرض - والتي لم تخرج عما تعتمده كل وسائل
الإعلام لنفس الغاية - لم تسفر عمن يستحق
ان يحمل تاج الريادة في القبح والسوء ، إذ أنه رغم دقة البحث والتفتيش والفرز-
الذي ذكرني بتفتيش جدتي في فلازها الحبِّ الجيّدِ من الرديء ، في العملية التي
كانت تقوم بها لتنتقية القمح من الشوائب قبل طحنه - وجاءت النتيجة معاكسة لما كنت
أنتظره ، فلم تعتر الإستفتاءات والإستطلاعات والتصويتات واستقراءات ، بين عامة أناس بلادي المغرب عامة وساكنة مدينتي
فاس خاصة ، على شخصية تنطبق عليها صفة السوء ولا الأسوء ، وأكدت جميعها أنها لا
تضم إلا أفضل الأشخاص وأحسنهم وأكملهم وأجملهم ، والذين يستحقون أن تُكرّموا
ويُعزّزوا ، وتتناثر على رؤوسهم تيجان الأفضلية و التميز.
ومع ذلك وعملا
بالمثل الدارج :"كل زبيبة في قاعها عود" ، وأن لا أحد يخلو من العيوب
ومنزّه عن الخطأ ، وامتثالا لقوانين الكون وسنن الحياة المقرة بنسبية الحقيقة ،
التي قلما يستطيع الانسان الوصول اليها كاملة او امتلاكها بالمطلق ، تبين لي أنه
لزاما علي أن ألا أيأس من معاودة محاولة النبش والتنقيب ، لعلي أكون قد أخطأت
الحسابات أو التقديرات ، أو قسرت في متطلبات العملية ، أو قللت من مواردها
الضرورية ، أو أن الكفاءات البشرية المديرة وقدراتها ومهاراتها وخبراتها ،لم تكن
كافية فساهمت في عدم إنجاح الأداء أو فشله
.
وأمام منطقية
هذه الفرضيات والحيتيات والمسلمات ، لم أجد بدا من إعادة النبش وتكرار التنقيب،
ويا ليتني لم أفعل ، حيث انقادت إليّ النتيجة من الجهة التي لم أسعى إليها فيها ،
وجاءتني سريعة طائعة مختارة ودون أن أطلبها من بين منتخبي المجالس المحلية
والجهوية ، التي أبعدني عن النبش في محيطها "ظني الخاطئ- كما الكثير غيري -
في أن جميع منتخبيها المحليين والجهويين ، هم شخصيات فوق العادة ، ورجالات لا يصدأ
لهم معدن ولا أخلاق ، وتليق بهم القيادة والريادة، ويستحقون نيل جوائزة التكريم
والتبجيل على مساهماتهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية ،
داخل الحيز المحلي و الجهوي الذي انتخبوا لخدمته، وتفعيل دور مؤسسات مجتمعه
المدنى، ومشاركة مواطنيه مشاركة حقيقية وفعلية فى إدارة المرافق والخدمات
العامة، والذين لم يخطر ببالي أن أعثر بينهم على هذه العينة من الميكافيليين الذين لا
يضعون حماية الإنسان وتحسين أوضاعه غاية ، ولا تحركهم معاناة وعذابات الناس مع
الغلاء الفاحش، والفقر المدقع، والجهل المقيث، والتهميش والإقصاء، ولا تؤرقهم
حمايته وتحسين أوضاعه بقدر ما تحركهم الدوافع المصلحية الصرفة التي يفرها المواقع
والمنصب الذي هو عندهم أهم بكثير من لقمة عيش المواطنين وأمنهم وصحتهم وكرامتهم .
لقد وجدتهم
ولاشك انك انت أيضا أيها القارئ الفاضل تعرفت عليهم من خلال فرط التبدل وهول
التغيير وبشاعة أعراض الفخامة والأبهة التي طارأت على حالهم وأحوالهم الكثير ممن
كانوا منهم يركضون بالأمس القريب كالجراء خلف كسرة خبز يابسة ، وملامح الجوع
والحاجة بادية على سحناتهم ، التي عوضتها علامات النعمة ، وشحوم القفا والرقبات ،
وانتفاخ الكروش ، وتأنّق الهندام ، وتنمق الخطاب ، واستبدال الدراجات
"المصدية" بالسارات الفارهة ، وأكواخ "الزلط" الموبوءة ،
بالمساكن الفاخرة والفلل الفارهة البعيدة
عن ضجيج الأحياء العشوائية التي خبرت أسرارهم ، والتي ما عادوا يلتفتون إلى جيرتها
القديمة المطلعة على خبايا ظروفهم المادية والعنوية والسلوكية القبلية والصداقات الحميمة التي عوضوها بالمعارف
الجديدة من عالم المال و"البيزنيس" لا شك أنك أيها القارئ الحذق تشاركني
الرأي على أن الواحد من هؤلاء الذين يظهورون بمظهر الفضيلة ويتقمصون أدوارها
ليستطيبوا الحقوق ويتنكروا للواجبات، ويستلوا على الديار، ويستحوذوا على مقدرات
الأغيار ، لحساب أنفسهم وليس لمنتخبيهم ، يستحق لقب أسوأ شخصية لهادا العام وبقية
الأعوام، ويجب ان توضع فوق رأسه أكاليل الشوك جزاء بما عملت يداه، مصداقا لقوله
تعالى : "وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا
يَفْعَلُونَ"
وفي الحتام
أْؤكد أن الأمر يحتاج إلى وقفة تسلط الضوء على هذا الشكل من الهوس الذي أسقط في
براثينه ضحايا لا يدركون حقيقة هوسهم بالنجومية وآثارها على شؤون الناخبين.