بقلم الأديبة
رانيا بوراس /الجزائر
أحرقت كل
المواعيد المؤجلة. . .
كانت تستعد
للنوم حتى الصبح. . . شيء ما أيقظها من
وطأة سبات شبابها. . .
عقارب الساعة
تركض في رتابة نحو الزمن. .
عجوز وجهها
مستدير عيناها الزرقاوتان فيهما لمعة ساحرة. . . ملامحها، ووجهها يعبران عن مزاج
متقلب. . . خصلات شعرها البيضاء المتساقط.
. . تنظر إلى جسدها الثقيل. . . بحزن.
. . و عذاب...
ترتدي ثيابا
مزركشة مفتوحة عند الصدر الواسع الكبير. . .
بكثير من الإشفاق...
مع ذلك يظهر
بريق عينيها، وابتسامة رقيقة لكنها سرعان ما اختفت. . .
يمضي العمر
ولن تجد من الأقدار مهربا. . . مضى رحيق
عمرها. . .
ولن يرجع شبابها
يتشبب.
عقارب الساعة
لا تعرف الإنتظار ولا التوقف .
الأيام قطار
جارٍ لا يعرف محطة. . .
زمن الساعة
فقد نظامه. . .
تدخل عتبات الواقع. . .
تنزاح من على روحها عشرات الأحلام والخيالات،
تقف أمام مرآة الواقع التي قد لا تصل في أفضل حالاتها الحد الأدنى لما
تريده
كل النهار خريف. العصافير و أشجار التين النائمة في الزمن الصعب،... خريف مرٌّ لا
يحتمله القلب. . .
استدرجها
الواقع في قعر عوالمه الشقيقة. . . سنوات
عمرها الأخيرة. . .
والدها
الربيع، الذي طالما أحبته. . . سارت به قاطرة الكبر حتى أصبح بعيدا، بالكاد
يراها،و يسمعها. . .
يجلس أمامها
شيخ وقور...
رمى بثقل جسده
على الكرسي. . .
ذو لحية
متجعدة، متوسط القامة يسير بخطى متثاقلة
وقلب كئيب. . .
يطلق قهقهة
طويلة ترتعد لها فرائصها. . .
ناداها بصوت
منخفض دون أن ينظر إليها:
أحضري لي
زجاجة النبيذ الأحمر،هل أصبحت حمقاء لا تسمعين. . .؟
وفجأة رفعت
رأسها. . .
ابتسمت ساخرة!
مسح حبات
العرق المتناثرة على جبينه المجعد. . .
فتح زجاجة
النبيذ... ودلقها في جوفه دفعة واحدة. . .
كانت تحيا في
جحيم مضطرم. . .
سجينة في بيتها الحجري. . . و الأواني والأباريق منصوبة في مطبخها الحزين. . .
تحاور صمت
القدر ورائحة الأشياء المعتادة. . .
تعد أعوام
عمرها المتبقي بقلق وفزع شديد. . .
ترفع رأسها. .
. يصادفهافي وسط هذا الزحام طفلة صغيرة
،كوردة بدأت تتفتح أكمامها لتستقبل ربيع العمر. حاملة في يدها كراسا ملونا و سيالة
زرقاء. . .
منادية: جدتي رانيا،
جدتي رانيا. . .
أكتبي لي
مقالا عن الحرية. . .
فكانت هذه
الكلمات النارية الحماسية بردا وسلاما على قلبها. . .
إن شبح الواقع
المرير كان يطاردها في كل خطوة تخطوها...
أحست أنها
ميتة ، ولكنها في الواقع لم تمت. . .
ليتها ماتت
قبل هذا وكان شيئا منسيا. . . لا تذكر
شيئا من عمرها البائس ،إلا أيام طفولتها الجميلة...
قد تنتظرين
العمر كله، ويتسع صدرك لكل نوائب الدنيا ولا تتسع أحشاءك لهذه الخطيئة الرهيبة
وفجأة!
تسمع صراخا بعيدا. . .
إنه بائع الحلويات. . .
راحت تتثاءب
تثاؤبا طويلا أخذ كل أنفاسها. . .
هواجس تطرد
النوم من جفنيك. . .
أجراس الساعة
الحائطية العتيقة، تعلن تماما الثامنة
صباحا. . .
حناجر الوالد
الربيع. . .
تصدر تحية
الصباح. . .
كان كابوسا
مزعجا. . .