بقلم الدكتور عبد الواحد الفاسي
إن العقيدة في الأوطان ناقصة ما لم تكن للسان الشعب تستند
عندما قرأت بيان التنسيقية الوطنية
للغة العربية الصادر في17 دجنبر 2021 بمناسبة اليوم العالمي للغة الضاد،
أحسست بشعور عميق من الارتياح لأنه لا زال هناك وطنيون حقيقيون يكافحون من أجل لغة
القرآن ، أغنى لغة في العالم.
وجدت في البيان عناصر الشمولية
والوضوح - حتى لاأقول الكمال - في
طرحه لما تتعرض له اللغة العربية من عوامل التهميش والتفكيك المؤدية إلى الاختفاء التدريجي الممنهج لا قدَّر الله، وفي تحميله المسؤولية، بكل وضوح، لمن يرجع
إليهم واجب حمايتها والعمل على ترسيخها وصيانتها ليس فقط بالتنصيص عليها في
الدستور كلغة رسمية ، ولكن في فرض تطبيقها في الحياة العامة للمواطنين على كل المستويات
.
لكن لدي ملاحظة واحدة حول مضمون البيان
تتعلق بإغفال نقطة أعتبرها أساسية وإن كانت تبدو غير خطيرة في ظاهرها، ألا وهي مسألة كتابة أسماء وعناوين
المؤسسات باللغة العربية.
اعتبر هذه النقطة أساسية لسببين. الأول
يتعلق بما للكتابة المطبوعة بمختلف الحروف والرموز على واجهة الأماكن العامة من ترسخ داخل العقل الباطني وانعكاس على السلوك. والثاني يتعلق بغزو الحروف
الأجنبية الممنهج للفضاءات العامة على حساب الحرف العربي. سببان يستوجبان فرض كتابة أسماء المؤسسات - وبالخصوص التعليمية - باللغة العربية إجباريا وبالقانون، لكي لا يبقى الأمر مجرد إرادة وأقوال.
أقول هذا، لأنني أشعر بالألم يوميا كلما
مررت عبر شوارع وساحات الرباط لأرى مؤسسات عديدة لها ارتباط بالحياة اليومية للمواطنين تحمل واجهاتها كتابات بالحروف
اللاتينية مع غياب تام للغة العربية. ولمن يريد أن يتأكد من هذا الأمر، فإنني أدعوه
للمرور عبر شارع محمد بالحسن الوزاني بالرباط الذي يزخر بعدد من المدارس والمعاهد
كلها تقريبا بالحرف اللاتيني وحده. فهل نحن في المغرب أم في فرنسا؟.
شعوري بالألم يزداد عندما أتذكر ما
كتبه الزعيم علال الفاسي حول هذا الموضوع ، منبها لخطورته ، منذ أكثر من ستين سنة.
وجدت أن الحال لم يتغير وربما أصبح أفضع مما كان عليه. فما السبب يا ترى؟
لقد أشار رحمه الله للموضوع في مقال ضمن
كتابه " رأي مواطن" سنة 1958.
وهذه بعض الفقرات مما كتب يبين فيها أهمية الموضوع من حيث محاربة الاستلاب من جهة،
والتعود، من جهة ثانية، على حضور اللغة
العربية في كل مكان حتى تصبح جزءا من حياتنا وتساهم في تقوية مناعتناالوطنية
والروحية.
يقول علال في هذا المقال تحت عنوان " تعريب الواجهات":
" جولة واحدة يقوم بها الإنسان في أسواق أي بلد مغربي، تكفيه لأن يشعر
بأن مظاهر الفرنسية التي خلفها الاستعمار في البلاد ما تزال قائمة. وأن آثار العروبة لا توجد إلا في قلوب المواطنين وألسنتهم. فإنك لا ترى في
واجهات المحلات إلا أسماء مكتوبة باللغة الفرنسية واللغة الفرنسية وحدها.
..
إننا نعتقد أن في إمكان العمال أن
يتخذوا قرارات بإلزام جميع أصحاب المحلات بكتابة أسماء محلاتهم بالعربية وحدها،
أوإلى جانب اللغة التي يختارونها .
إن هذا أقل إصلاح يمكن القيام به
لإعطاء بلادنا الصبغة العربية التي تتفق مع حقيقتها ومع رغبة أبنائها
.
إننا نحب أن نرى في بلادنا، في عهد
الاستقلال، مظاهرتختلف عن تلك التي طالما أقذت عيوننا، وأ لَّمت نفوسنا وأسالت
دموعنا ، في عهد الحماية.
وأن مشاهدة المواطنين للغتهم وقد
احتلت مكانتها الأصيلة في كل مكان، لخير مطمئن لهم أن هناك تغييرا ملموسا في
المظهر لابد أن يؤدي إلى تغيير محسوس في المخبر.
ولكننا نرجو أن تكون العربية التي ستكتب في المحلات واضحة،
وذات خط مقبول، وسليمة من اللحن، وإلا
كانت دعاية سيئة لبلادنا.
"...
لقد مرت أكثر من 60 سنة على هذا الكلام ولم يتم أي تصحيح يذكر. لماذا ؟ لا نريد أن نشكك في وطنية أحد، ولكن نريد أن نفهم.
وإنني، أمام هذه الظاهرة التي لا تزيد إلاتفاقما، والتي تبدو حسب البعض
شيئا بسيطا بينما هي عبارةعن سلوك له خلفية خفية ، أدعو الأحزاب الوطنية،
وحزب الاستقلال على الخصوص، إلى العمل على تقديم مقترح قانون يصحح ويضبط طريقة
التعامل معها احتراما للهوية المغربية ولدستور المملكة.