بقلم عبد الحي الرايس
سأله صاحبه أن يَمْهَرَ كتابَه بإهداء،
فأَسَرَّ إليه خجلانَ أسِفاً أنْ لم يأخذْ من الخط إلا خربشة دَرَجَ عليها منذ الصِّبا
ولَزِمتْه مدى الحياة، بيد أنه أقبل بِنَهَمٍ على القراءة ينهل من معينها، ويغرف من
بحرها دون ارتواء، وعلى مجالس العلماء يتابع أحاديثهم، ويستوعب كلامهم، ويناقش أفكارهم
دون انبهار ولا انصراف.
ثم على الحياة يخوض مُعتركها، عاملاً يعشق
النزاهة في القول والعمل، ومُمارساً يتحلى بالقيم في السر والعلن، ويرتقي مدارج النضال
ليكون مُمثلَ فئةٍ، فَحَيٍّ، فمدينةٍ، فوطن، وفي كل ذلك تَحَرَّك في استماتةٍ ونكرانِ
ذات، للقوانين مُستوعباً، وعن الحقوق مُنافحاً، في الميدان مُناضلاً، وفي الملتقيات
مُحاوراً، وفي الندوات مُحاضراً، وللكفاءات مُستقدماً، ولمنابر الإعلام مراسلاً، لا
يستعصي عليه بيان ولا يجف له قلم، ولا يتوانى في جلب المنافع ودرء المضارّ، تشهد له
الأعمال والمنجزات، والمواقف والمبادرات، التي نظَّر لها ووثقها فكان منها الكتاب.
هو نموذج لقلة من الأفذاذ الذين أُكْرِهُوا
ـ صغاراً ـ على خوض معترك الحياة دون تمدرس ولا سابق إعداد، فاسْتكْنَهُوا أسرارَها،
وغالبوا أمواجها إلى أن أرستْ بهم على شاطئ البذل والعطاء، والوعي والالتزام، فأسهموا
بالكثير، ولم يترددوا في تعبئة وإفادة الجميع.
هو إذن عصاميٌّ حتى النخاع، وتجربته جديرة
بكل إشادة واستلهام.