بقلم حميد طولست
ما أصعب أن يجد الإنسان نفسه مكبلة ،
وحواسه مخنوقة ، وحريته مقيدة ، وأفكاره موصى عليها باسم دين محرف ، في الوقت الذي ما جاء الدين الإسلامي
ببرامجه السماوية الراقية ومناهجه الربانية السامية المنحازة لقيم الحب والصدق
والعدل والحق والأمانة والوفاء والجمال والإخاء والحرية والمساواة ، إلا للإرتفاع
بالبشرية في مراقي كل ما هو خيّر وجميل ورحيم ومحقق للتوازنات الضرورية لترتيبها
في مصاف المخلوقات المميزة المكرمة ، وإبعادها عن وحشية الحيوان ، ولتحيا حياة
إنسانية متحضرة ، بعيدة عن التفاهة والسذاجة وتسطيح المجتمعات التي تسوق لها
براجماتية الإسلام السياسي وطموحات التأسلم ومساومات المتأسلمين وصراعاتهم على
السلطة ، التي أبت بكل تداخلاتها وتفرعاتها - السنية و الشيعية – إلا أن تؤدلج
الدين الحنيف وتحوله إلى أيديولوجية سياسية نحت به منحىً مذهبيًا قزم البرنامج
السماوي العالمي ، وأبعده عن دائرة اشتغاله الأساسية المنحصرة في تحقيق التوازنات
الضرورية لتحقيق حياة أكثر استقرارا لعباد الله، ما حوّل الدين إلى خطابات سياسية
طائفية ، تضرب قدرة الناس على التعايش مع أنفسهم ومع أمثالهم من البشر، تسوّق لها
تنظيرات براجماتية الإسلام السياسي المروجة للتصورات اليوتوبية المستحضرة من الوهم
الجمعي أو المجتمعي لخرافيات مشروع الخلافة الإسلامية ، البعيدة للغاية عن الواقع
والمنطق السليم القويم ونتائج تجارب البشر، التي تحولت بسبب القراءات المغلوطة
والمقصودة للتاريخ إلى الشعارات اكبيرة والأهداف اللامعة التي يصدقها السذج
والجهلة ، وتؤمن بها الذهنية البدائية -التي لفظتها روح العصر- ويعتبرها الأغبياء
النهج المستقيم الموعود ، الذي سيسود العالم ويتحكم في البشرية ، والذي يؤسلم رجال
الدين من أجلها كل شيء ، ويلوون أعناق الآيات والأحاديث لإقناع الهبّل صدئيي
العقول الهُبّل بصدقية وهمها، وإيهام
المُغَيَّبَين الغائبين بأنها من صلب الدين ، الذي لا يتم الإيمان إلا بتبنيها ،
ورهن النفس والفكر لتحقيقها ، والذي لا يتوانى تجار الدين عن توعد المشكيكين في
امكانية قرب حدوثها على أرض الواقع ، بغضب الله وسطوة عذابه ، معززين زعمهم بأقوال
غوغائية مجهولة المصدر ، ممهورة بتوقيع الله والرسل والأنبياء والملائكة والشيوخ
وأباطرة الفتاوى المليئة بخطير عناصر التخدير الإثني والديني والطائفي ، الذي
تُشحن بها أذهان وعقول البسطاء ، لتسهل تدحرجتها إلى هاوية التخلف والانبطاح ،
والخضوع للتعاليم البالية والتفسيرات
االجامدة الصادرة عمن يطلق عليهم السلف الصالح ، والتي تبعــد الناس عن دين الله
الحق، وترمي بهم في أحظان وثنية هرائية مدلسة ، لتصنع من جهلهم المُغيَّب ،
والمتخلفهم الأبلـَـه ، وإرهابيهم الداعشي ، وكل من لحست فتاوى التخلف عقولهم ،
وسجن كلام شيوخه فكرهم ، وملأت أساطير الأولين أمخاخهم بكل ما تجاوزه التاريخ ،
وكذبته الاكتشافات العلمية ، ورفضه المنطق ، وخالفه العلم والعقل والواقع ،
وتحولهم إلى كائنات تفرح بإقصاء المخالف ، وتفتخر المغاير،على اعتبار أن تلك أوامر
الله وعقوبة منه للقوم الكافرين ، والتي لا يستقيم الدين إلا بإنزالها بهم ،
أطفالا كانوا أو نساء أو مسنين ، تقربا منه سبحانه..
أمام هذا التظليل العقائدي السافر،
وتلك الغواية الدينية المفضوحة ، الزارعة للفتن والنّعرات بين الشعوب باسم الدين ،
والتي يشعر معها المسلم الحق بالألم والأسى ، أتساءل ، كما غيري كثير، كيف لم يقم
المسؤولون بتطبيق قانون الإرهاب على من يضلل الناس باستغلال الدين ، ويأمرهم
بالإرتداد عن الحاضر والإنغماس في تخلف الماضي ، بدعوى العودة إلى السلف الصالح
المعادي لكل انفتاح وتعدد وحوار وتفاوض وتعايش .