بقلم الأستاذ حميد طولست
رغم اجهاد الكثير من الرياضيين
الحالمين لأنفسهم في التدليل على دور الروح الرياضية في نشر التآخي بين ممارسيها ،
ورغم جهوداتهم الطموحة المبدولة في إثبات أثرها في التقريب بين فريقي البلدين
الجارين المغرب/الجزائر ، ورغم محاولة العديد من الملاحظين والمتتبعين المثقفين
الطموحين للتنظير لما أدت إليه الرياضة من تعزيز للروابط الاجتماعية بين لاعبي
شعبيهما الشقيقين ، وذلك من خلال لقطات وصور التقبيل والعناق التي أُلتقطت قبل
وخلال وبعد المبارة ، سواء على أرض الملاعب بما سادتها من روح رياضية واسعة
وإلتزام بقواعد اللعب النظيف والتنافسية الشريفة ، أو في المدرجات ، وما شهدته من
أجواء احتفالية هستيرية ، ورغم كل هذا وذاك ، لم يستطع المثقفون والرياضيون الأكثر
تفاؤلا ، التغطية على أن المباراة الفعلية بين منتخبي المغرب والجزائر لم تكن كذلك
مبارة عابرة بين فريقي كرة تحمل كل تلك الروح الرياضية العالية غير المثأترة،
بالمشهد السياسي المغربي/الجزائري ، والذي كانت صورة مصغرة مما يعرف من المماحكات
والصراعات السياسية المؤسفة بين البلدين ، وأن أطوارها الفعلية كانت تدور خارج
أسوار ملعب الثمامة القطري ، وبالضبط في "العامرية" حيث أُطلق النفير وجُيّش
الذباب الإلكتروني ضد الفريق المغربي ووطنه ، الذي لم يكتفي المغرضون في معاداته
بقطع العلاقات السياسية واغلاق أجوائه السماوية ، ومحو الخريطة المغربية من نشرة
أحوال الطقس بقنواتهم الرسمية، ووصلت بهم الحقد والحسد إلى هتاف رئيس البلاد ورئيس
أركان الجيش الشعبي ورئيس البرلمان علامي بملون ونصف مبروك ، لإنتصار فريقهم
الوطني ، والذي هو من كامل حقهم ، لو لم يكن تلك التوصيفات الحربية الإستصغارية ،
المستحضرة للمعجم العسكري الإستفزازي الذي صار طاغيا في جميع أحاديثهم عن
المغرب ، البلد المسالم ، الأمر الذي لم
يزد شهية الفيسبوكيين المستأجرين المصابين بما يمكن تسميته بــ"فوبيا
الهوية" إلا زهوا وكبرا وغطرسة واشتهاء للإستعداء على أخلاقيّات الأخوة
، وانتهاكا لأبسط قيم الجيرة ، يشجعهم في
ذلك هامشُ الحرية المعطى لهم من طرف الإعلام الإلكتروني -الذي لا يخضع النشر فيه
لتقييم أو تقدير أو تمحيص أو مراقبة ، بخلاف ما كان عليه الأمر مع الإعلام الورقي
الذي أخلى معظم الساحة لكل ما هو سيبيرني - ما دفع بالكثير من الفيسبوكيين لولوج
حلبة الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، دون أن تكون لديهم معارف كروية ولا
مهارات لغوية كافية تؤهلهم لذلك تأهيلا متمكنا ، الوضع الذي إضطر معه غيرهم من
مستعملي الأنترنيت ، للتعامل مع زخم ردود أفعالهم الانفعالية المغرقة في العقليّة
البدائيّة ، القائمة فى مجملها على الكلام المرسل واللهجة التي قوامها الشّماتة
والحقد والرّغبة الغريزية في صلب الآخر ، التي ينشورنها ، وبشكل مخيف ، في العديد من المواقع الإعلامية المأجورة
المتخصصة في التفذلك الوقح ، والفرض التعسفيّ والاستفزازي للآراء والسنن الغريبة
المنافية للعقل والمنطق ، التي يخال
المتتبع والمطلع عليها-للوهلة الأولى - أن روادها لا يجيدون القراءة ، أو أنهم لا
يفهمون فحوى ما يقرؤون، بينما حقيقة الأمر ، أنهم يتعمدون عدم الفهم ، لإخفاء
نواياهم في تسفيه جاد المنشرورات ورزين الكتابات ، بما يتقنونه من منفلت التعليقات
الصادمة، المخضبة باللمز والغمز والنبز والوخز وغيرها من الشتم واللعن الذي لا
علاقة له لا بمضامينها ولا بدلالاتها ،
والتي تشي بحقيقة غاية أصحابها القسوى المنحصرة في تضليل بسطاء الناس وابعادهم عن
كل ما ينور عقولهم ، ويخلِّقُ حياتهم العامة ، ويشكك في ولائهم للوطن وثوابته ،
والذي يُعتمد في تحقيقه ، استنساخِ لغة محادثةٍ "زنقاوية" مليئة
بالمغالطات المسمومة والدسائس المدثرة بشعار حرية التعبير عن الرأي المفخخة المطلقة للعواطف والمشاعر السالبة تجاه الآخر ،
السلوك الهجين والمشين الذي يتطلب الحيطة والحذر مما يحيكه المصابون بهستيريا
كراهية المغرب، ويستوجب الإحتراز مما يراكمونه من ويلات التفرقة والتشتيت ، التي
تُفقد المجتمعات قدرة المواجهة ، وتقتل فيها حب الخير وتستحضر الشرور ، بكل ما
تؤسس له من تداعيات شائنة محبطة للهمم ، ومكرسة لليأس والتشاؤم والإنكسارات
الموجهة للوعي المجتمعي والرأي العام ، نحو الإنحياز إلى كل فكر وسلوك خالٍ من
التفاعل النافع الواعد
.
الآن وقد وضعت "الحرب
الكروية" أوزارها أطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعصم مغربنا الحبيب من سفاهة
السفهاء ، الذين لا يستثمرون كل طاقات شعبهم في نشر رديء الأحقاد المفرقة بين من
جمعهم الله على أخوة الجوار والعرق واللغة والدين ، إنه مجيب الدعاء.