بقلم مصطفى منيغ
سفير السلام العالمي
سوء التفاهم السياسي
القائم على اكتساب المصالح بين دولتين ، لا يتناسب وسوء التفاهم الميداني المبني على استمرار دولة
احتِلالَ جُزُرِ وأراضي دولة أخرى ، كالحاصل بين اسبانيا الاستعمارية والمغرب المقبل
على تحرير ما أُخِذَ منه منذ عهود موغلة في القِدم . اسبانيا لا زالت متشبثة بعقلية
العيش على ذقون الغير ، بل شرَّعت لوحدها قوانين لذلك في سبتة ومْلِيلِيَّة المحتلّتين
، وكأنَّ ذكاءَها خالدٌ ليومِ البعث ، قوانين قائمة على باطلٍ لتكريس وضعية غير طبيعية
بالمرة ، معتمدة على تخويف مَن أرادت تخويفه ،على قوََّّتها العسكرية ، التي جعلت منها
الدعاية المجانية ، يُضربُ لها ألف حساب ، وبخاصة البحرية منها كسالف عصرها أيام
"فِرْنَانْدُو الثاني" ملك "أراغون" ، و "إيزَابِيلاَ الأولى"
ملكة "قشتالة" سنة 1492 ميلادية .
المملكة المغربية
خطَّطت لِتَنَال ، حطّطت منذ حصولها على شبه استقلال ، لاسترجاع كامل أراضيها أولا
بأول ، بذكاء على نتائج تدبيره يُعوَّل ، لمعرفتها المُسبَقة ،عن طريق خبرائها المساعدين
الأقربين للملك الراحل محمد الخامس ، أن اسبانيا متضلِّعة بخدامها الأوفياء ، وخاصة
في "تطوان" مدينة ومحيطها القروي ببعض أجزائه ، التاركة فيهم تربية تجرُّع
الجِعَة ، والتمرُّغ وسط الفساد مهما كانت الوِجهة ، المدرَّبين على إشعال الفتن في
أي جِهة ، أناسُها يرغبون في تنظيف المنطقة من رائحة المحتلِّين ، بتصرفاتهم التلقائية
التي دشنوها برفع المشانق لتتراقص المتدلية منها أجساد العملاء والخونة ليُحرقوا وسط
أشهر ساحة في مدينة العرائش التي كانت تُسمى ولوقتٍ طويل "ساحة اسبانيا".
أدركت المملكة المغربية أن زمناً غير قصير ، المفروض أن يمرّ حتى تتلاشى تلك التربية
وتنقطع مع جيل مُحبِّ لوطنه قادرٍ على مواجهة اسبانيا كلّ حاضر مستقبلي ، لينزعَ منها
حقه الشرعي التاريخي بأي أسلوب ، حتى ذاك الذي لا تتقن اسبانيا غيره "المُراوغة"
، عِلماً أن المراوغة المغربية تكتيك مقبول ، تسانده العدالة الدولية بكل تواجدها الرسمي
كحَكَمٍ مُؤهل بتوافق أممي مشهود له بالكفاءة ، أما التكتيك الأسباني فقائم على باطل ، مرسوم على حملات إعلامية منحازة
لظلمٍ مسلّطٍ على المغرب دولة وشعباً منذ عقود . بعدها حل الملك محمد السادس على رأس
إرادة جديدة متجدِّدة ، مفعمة بمتابعة نفس التخطيط ، وإن كان بأسلوب مغاير ، ابتدأ
متواضعاً إلى أن بلغ الذّروة بعد عقدين من تربعه كرسي الحُكم العلوي ، لتقفَ اسبانيا
مستغربة مندهشة مشدوهة ، وقد غابت عن استعلاماتها المخابراتية ، أسرار الوثبة المباركة
التي جعلت "سبتة" تبدو أمام "تطوان" مجرد قرية متخلّفة بعيدة كل
البعد عما تحقَّق في عاصمة الشمال من هيكلة عمرانية توازي مدناً أوربية ، بل تتفوَّق أحياناً عليها في مجالات عدّة . غاب حتى على
"عيون" القنصلية الإسبانية الموغلة حسبت نفسها في أماكن ومنها
"..." ، حيث مقارعة الكأس بالكأس لغاية فقدان الإحساس ، لدى المتدلّية السنتهم
لدرجة وضيعة من الإفلاس ، ببيع النفس بآخر كأس ، فلا ينتبهون إلا وفأس الانحراف عن
الصواب قد وقعت فوق الرأس . حتى تلك "العيون" والعديد من المراقبين المحليين
غاب عنهم مصدر التمويل ، فلو جُمعت ميزانيات التجهيز لسنة برمتها ، المخصَّصة لكل جماعات
اقليني "تطوان" و"المضيق" الحضرية والقروية ، لَمَا غطَّت نفقات
إصلاح وتشييد مسار طُرقي واحد ، منطلق من شارع الجيش الملكي لغاية باب سبتة المحتلة
. بدأت الحيرة تعلو اهتمامات الدوائر الحكومية الإسبانية ، والهيكلة الجديدة المبنيَّة
على قواعدها السليمة الصحيحة ، تصل جل مدن الشمال وفق خط رَبَطَ "طنجة" ب
"شفشاون" ف "الحسية" و "الناظور" لغاية "وجدة"،
بمرحلة إلحاق ما تحقق بعهد الملك محمد السادس الذي قاد معركة التنمية المتكاملة الشروط
تلك بنفسه ، فلا جماعات منتخبة محليا أو إقليميا أو جهويا ، ولا أحزاب سياسية يمينية
أو يسارية ، لها يد في ذاك التحول الذي بَهَرَ الأنظار ، وجلب له الأنصار، وصفقت له
أيادي كل البشر ، في الداخل كالخارج . بدأت الجارة الشمالية تسأل بامتعاض شديد وتدخل
مبغض ، من أين للمغرب مثل الثروة الكفيلة بالصرف المباشر على أشغال كبرى نظمت المدن
بإحداث مرافق أساسية مكلّفة للغاية ، وفتحت الطرق السيارة على احدث مستوى، و باشرت
تحديث جودة الخدمات المقدمة للعامة مهما كان المجال ‘ عبر مساحة كان من المستحيل أن
تتحول وبسرعة خرافية إلى درجة دوّخت هؤلاء الذين ما استطاعوا حتى مراجعة حساباتهم،
بل أصابهم التوتر من عدم فهم ما أحدثه الملك محمد السادس من ثورة إصلاحية عارمة غير
مسبوقة ، تؤكد أن المغاربة إذا عزموا خططوا ونفذوا وتحملوا مسؤولية المستجدات إقليمياً
ودولياً ، ولو قرأت الدولة الأيبيرية بتعقل اكبر وتمعن أزيد ما كُتب على شعار المرحلة
، لأبصرت بوضوح أن مغرب اليوم ليس مغرب الأمس هذا أولا ، أما ثانيا فالوقت حان لتبادل
نقاش متحضر الند للند لإعادة الحق المنهوب المسلوب لصاحبه المغرب بهدوء دون سوء فهم
ميداني ، إذ الجغرافية تشهد والتاريخ أن الجزر " الجعفرية" و جزيرة
" البُرَان" و جزر "الحُسيمة" و جزيرة "قُميرَة" ، مغربية
لا تملك فيها اسبانيا غير التعنت والسيطرة بالقوة على أشياء لا تخصُُّها من قريب ولا
من بعيد ، بل أصبح التمسُّك بها مجرد إهانة موجهة للمغرب دولة وأمة ، وإذا كان الدافع الاسباني لاستمرار تلك الوضعية
غير الطبيعية داعماً لاحتلالها المدينتين سبتة ومليلية ، فالمملكة متجهة لإغلاق كل
الممرات المؤدية لهما لتختنقا مع النظام الاسباني بانتظام ، كبداية بعدها هناك أكثر
من مفاجأة ، وهذه لن يتعلق الأمر بسوء فهم سياسي ، وإنما بتطبيق قرار سيادي صادر عن
الملك محمد السادس وواجب أن يُنَفّذ ، يتعلَّق باسترجاع ما للمغرب للمغرب.