بقلم عبدالحي الرايس
((الهمسة أملتها المشاركة
في لقاء نظمه الائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة في سياق التحضير لاستحقاقات
شتنبر 2021 بهدف تذكير الفاعلين السياسيين بانتظارات المجتمع المدني البيئي بمنأى عن
أي تلوين سياسي)).
شراكة مأمولة
تُؤسس لحكومة مفتوحة، في الاستحقاقات الموعودة، تُعزز الجسور الممدودة، بين
منظمات تعكس النبضات، ومؤسسات مدعوة لتحقيق الانتظارات.
وعَقْدُ التنمية المستدامة (بين 2020 و2030) قطارٌ فائقُ السرعة لا يتوقف إلا
في محطات التقييم والمحاسبة.
والعصرُ عصرُ تحديات متلاحقة، وتحولات متسارعة: انبعاثات غازية متزايدة، وتغيراتٌ
مُناخية مفاجئة، مياه متناقصة ناضبة، وسيول جارفة، وأجواء خانقة، وغابات متراجعة، ترعاها
قُطعان جائرة، وتلتهمها نيران حارقة، بإهمال أو بإرادة فاعلة.
والبيئة بيتُنا الكبير، ومخاطر التصحر والانجراف، والنُّدْرة والانقراض، والتلوث
والانبعاث، تتهدد سلامتها في كل حين وآن، والحفاظُ عليها فرضُ عين، وليس فرضَ كفاية،
فهي مسؤولية الجميع.
وذاك ما يوجب وضعها عند ترتيب الأولويات، وتبويب الميزانية في موقع الصدارة.
والوطنُ سفينة يركبها الجميع، فإما تكيُّف وتكييف، وشراكةٌ وتفعيل، وعدالة تشمل
الجميع، واختياراتٌ تضع قطار التنمية على المسار القويم، خاصة والبلدُ رافعٌ شعارَ
ربح رهان النموذج التنموي الجديد، وإما إمعانٌ في الانفراد بالقرار، وشراكةٌ لا تحظى
بالاعتبار.
وعندها تظل الطفرة في محطة انتظار، والهُوية رهينةَ التبعية والاستلاب.
وليت كل الذين تحملوا المسؤولية مارسوا النقد الذاتي، وقيَّمُوا ما أسلفوه من
عهود، قبل تجديد إمطار الناخبين بالوعود.
لذا تنعقد الآمال على انبعاث روح وطنية عالية، تُقصِي الذاتية، وتُعْلِي شأن
الغيرية، وتُعبئ الجميع لمواجهة التحديات، وجعل المستحيلاتِ مُمكنات، والعمل على كسب
رهانات منها:
ـ إخراج فصول الحث على حماية البيئة، وتطبيق الديمقراطية التشاركية، ومد الجسور
بينها وبين نظيرتها التمثيلية في الدستور والمواثيق الوطنية، من حيز التنصيص والتدوين،
إلى مستوى التنزيل والتفعيل.
ـ الانخراط الجاد في تحقيق الأهداف
السبْعَةَ عَشَرَ للتنمية المستدامة الساعية إلى ضمان التوازن بين العوامل الاقتصادية
والاجتماعية والبيئية، والعمل على ربح رهاناتها في أفق 2030، استلهاماً للتجارب الدولية
الناجحة، وتفعيلا للإرادة الوطنية الطامحة.
ـ إيلاء الاقتصاد الأزرق الاهتمام اللازم اعتبارا لدور البحار والبحيرات والأنهار
كمصدرٍ للثروات السمكية والمعدنية، وتوليدِ الطاقة الكهربائية، والتشجيعِ على السياحة
البحرية، وأساسٍ للتمكين من الاستخدام المستدام للموارد المائية.
ـ خص التعمير التشاركي للمدن باهتمام يُملي بلورة الانفتاح على الديمقراطية
التشاركية، وتَعدادَ فرص اللقاءات التشاورية، والدورات التكوينية المؤهِّلة للجميع
للانخراط الواعي والهادف في تدبير المدن، كحاضنة لكثافة سكانية تتنامى وتتزايد باستمرار،
وإنضاجَ استراتيجية استدامتها، تحسباً لحاجياتها، ومتطلبات العيش فيها.
ـ رفع وتيرة العمل على إحلال الطاقة المتجددة المستديمة محل الطاقة الأحفورية
المستدامة.
ـ إلباس الاقتصاد والنقل والتعمير الرداء الأخضر، ووضعها جميعها على سِكة الاستدامة
بكل معاييرها وشروط تحقيقها.
ـ تأمين التعليم والتطبيب، وإتاحة فرص التشغيل، وجعل العدالة الاجتماعية والمجالية
تشمل الجميع.
ـ رفع مستوى التعليم، وتمكين كلٍّ من تحقيق ذاته، واستثمار قابلياته، فليس يُدرَى
أين يوجد النبوغ وتكمن العبقرية، في الحاضرة العامرة، أم في القرية النائية.
ـ دعم البحث العلمي، وتشجيع الشباب،
واحتضان الكفاءات، وتحفيزها على الاستقرار، حتى لا تلتمس مستقبلها خارج الديار.
ـ الارتقاء بمستوى الإعلام عامة، والإعلام
البيئي خاصة، حتى يكون له تأثير إيجابي في إغناء المعرفة، ومخاطبة الذكاء، وإذكاء الخيال،
ونشر قيم الخير والجمال.
ـ تطوير الإدارة: لتصير مُنْفتحة
مَرِنَة تُتْقِنُ عمَلَها في توثيق الرَّبَائِدِ والسجلات، وتيْسير الْخِدْمات، وفي
التحسب للحاجيات، وحُسْنِ إعدادِ البرامج والمخططات، تصْطفي العاملين بها، وتُخضِعُهُمْ
للتأهيلِ واستمراريةِ التكوين، وتُطوِّرُ أساليبها في التعامل، وآلياتها في التواصل،
وترْجيحُ اعتمادِ الإدارةِ الرقمية على الورقية، حتى تُسَايِرَ العصرَ في صيرورته،
وتَجَدُّدِ وسائله.
ـ استثمار الثروة البشرية: فهي
الوقودُ والطاقة الحيوية، وتُلْتمَسُ في الشباب الواعد، خيرِ زادٍ لتسريع الإصلاحات،
والمفاجأة بالاختراعات، والإتيان بالمعجزات، وفي كبار السن ممن راكموا الْخِبْرات،
واستخلصوا الحكمة من تجاربِ الحياة، فالْبَلدُ زاخِرٌ بالطاقات، وأرضيةٌ خِصْبة للاجتهاد
والابتكار، وكم هو مُجْدٍ ومفيدٌ التآخذُ بين الأجيال.
ـ تخليقُ الحياة السياسية: والبلدُ مَدْعُوٌّ أيضاً إلى التدقيق في اختيار مُمَثليه
ونُخَبِه، والارتقاءِ بمستوى النضج والمشاركة، حتى يَسْهَرُوا على تدبير شؤونه بوعْي
ورُؤْيَة وإخلاصٍ، ومسؤولية تلازمها المحاسبة.
والفيصلُ بين التجربةِ الراهنة، وتجارب العقود السابقة برنامجٌ يَنِدُّ عن المعتاد،
ويعتمد البيانات والأرقام، والتوجهات الصادقة القابلة للإنجاز، المستمدة من تشخيص الواقع،
واستحضار متطلبات التدارك والإصلاح، مع تعهد بضمانات الالتزام والوفاء، حتى عند ضرورة
التعاقد مع الحلفاء.
وما أحوج الوطن إلى رموز وقيادات يقدمون التضحيات، ويبصمون الممارسة بنكران
الذات، فيجسدون القدوة، وتُضربُ بتضحياتهم الأمثال، وتَصْدُق في حقهم مفارقة أحد الكبار
حين مايَزَ بين السياسي ورجل الدولة فقال:
"السياسي رجل يريد
من بلاده أن تفعل شيئاً من أجله، ورجل الدولة يريد أن يعمل شيئاً من أجل بلاده".
وصفوة القول أن الرهان كلّ الرِّهان
ألا يظل في البلاد أمِّيٌّ ولا عليل، ولا عاطلٌ ولا فقير، ولا طفلٌ يُتسَوَّلُ به،
أو مُهْمَلٌ على الطريق، وأن تتكاثف الجهود لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، والحد
من أخطار وتداعيات التغيرات المناخية، وأن يُرَشَّدَ توظيفُ الثروات والموارد، وينتفيَ
عنها كل هَدْرٍ وَرِيع، وأنْ يُراقَبَ التصنيعُ حتى يكون في خدمة الإنسان دون أن يُضِرَّ
به وبالمجال، وأن يُعَبَّأ الجميعُ كُلٌّ حسب قابلياته ومُؤهلاته ليكون له إسْهامٌ
في تشييدِ صرْح الحضارة، والتنافس في السبْق والريادة.
وبعد، فنحو "شراكةِ حكومةٍ مفتوحة": توجُّهٌ انطلق منذ عَقْدٍ من
السنين، آن أوانُ الأخذ به، وتوفيرِ كل أسباب إنجاحه وتفعيله.
والاستحقاقاتُ الوشيكة قد تكون
آخرَ فرصة مُتاحة، ولا عذر لأي هيئة أو مؤسسة في إضاعتها وتفويتها.
ولن تغفر لنا الأجيالُ ولا البلادُ إن أبطأنا أو ترددنا في اقتناص الفرصة، واللَّحاقِ
بالقطار السريع لِعَقْدِ استدامة التنمية، فأفق 2030 ناقوس يَرِنُّ بالتحذير والتنبيه،
يحث على التدارك والتعبئة والتسريع.
ويظل الأمل، أن نكون جميعاً في مستوى اللحظة والحدث.