بقلم الأستاذ حميد طولست
عندما يلهو المرء في متاهات الرفاه
، ويمرح في منعرجات الترف ، ويسبح في فضاءات الثروة والثراء ، لا يعير ساعتها
أي إهتمام لقيمة كل ما هو اعتيادي في حياته ، ولا يأبه لما يبدو له فيها بسيطا، إلا
عندما يتحول السهل إلى صعوبة وينهي معها يسر الوصول إلى أهدافه ، ويعسر تحقيق مبتغياته،
فيعيد لحظتها تقدير حاله ويلتفت لمآلت إليه أحواله، كما حدث مؤخرا للسيد حميد شباط
مع قضية "التزكية الانتخابية" الجد بسيطة ، التي لم يتوقع أحد أن يأتي اليوم
الذي يكون فيه طلبها مصدر انفعاله وتوتره ، وسبب تخبطه وقلقه وترقبه ، وهو الذي كان إلى زمن قريب يوزع التزكيات على
من لا يستحقها، بسخاء يصعب على الزمان يطمسه ،
ويحرمها ، بعناد انفعالي على من هو أهل لها وأحق بها، وذلك قبل أن تفقده المقادير ما كان يتمتع به من
ألق السلطة وهيلمانها إبان تبوئه الكراسي المركزية للكثير من المواقع السياسية والاجتماعية
والاقتصادية ، والتي كان على رأسها الأمانة العامة لحزب الاستقلال ، وقيادة الاتحاد
العام للشغالين ، وعمودية العاصمة العلمية ، وعضوية البرلمان ، وغيرها كثير من المناصب
المرموقة -التي كان يطمح إليها ،كرئاسة الحكومة التي طالما منى النفس بمقعدها - والتي
بهت لونه ، وخفت وهجه ، وتحشرج صوته ، بعد زوالها ، ولم يعد ذلك المغوار الذي سطر بجدية وتفانٍ وحرفية شديدة أروع أمثلة البطولات ، التي حلقت أخبارها في ربوع
البلاد وخارجها ، والتي ،مع الأسف الشديد ،
وقفت كما "وقوف حمار الشيخ" ، أمام عقبة "تزكية خوض الانتخابات الجماعية
القادمة" التي أشهر نزار بركة الأمين العام لحزب الإستقلال ، ورقة حرمانه من خوضها
بجهة فاس مكناس باسم حزب الاستقلال ، القرار الذي شكل له معوقا سياسيا وصدمة كبيرة
، دفعت به إلى التعامل مع وضعه الحرج ضمن قاعدة : "يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل
العدو بعدوه " بطرقه أبواب الأحزاب من مختلف الأطياف ومتنوع الأيديولوجيات ، بحثا
عن التزكية التي دونها خَرْطُ القَتاد ، كما تقول العرب، معولا على ما نسجه مع مسؤولي
تلك الأحزاب من علاقات تبادل المصالح ، والتي من بينها محند العنصر الذي أنهى في ندوة
صحفية كل آماله في الدخول إلى"نادي الحركيين" الذي وعده به محمد أوزين عضو
مكتبه السياسي ، الأمر الذي زاد وضعه حرجا وتعقيدا، وحرضه على اللجوء إلى تجريب علاقته
بمحمد ساجد الأمين العام للإتحاد الدستوري ومنسقه الإقليمي بفاس أنوار بنبوبكر المستثمر
في قطاع الخدمات بفاس، بغية إركابه صهوة مقعد
من مقاعد حزبهما .
فهل ستتوقف رحلة البحث عن التزكية عند هذا الحد من الهبوط والبهذلة ؟التي هي
في كل الأحوال، سواء حصل شباط على تزكية ترشحه ، من إي حزب من الأحزاب الإداري أو أي
دكان من الدكاكن الانتخابية – كما كان يحلو لشباط نعثهم- أو لم يحصل منهم عليها ، وسدت في وجهه جميع سبلها التي لم ينفعه معها لا مال ولا نفوذ ، فإن شباط
لن يكون بعد الانتخابات كما كان عيله قبل تغييره لانتمائه السياسي من ألق ووهج وقوة
، وأن سفينته السياسية التي بناها معتمدا أكثرَ من اللُّزوم على الفردانية ، لن تغادر
مرساها ، وحتى إن هي اقلعت فوق أي حمار قصير لأي حزب من الأحزاب التي ألف تعييرها بالإدارية
والإسلاموية، فإنها ستتلاشى سريعا كما فقاعات الزبد ، مصداقا لسنة الدنيا غير الدائمة
لأحد ، وقاعدة أن لا شئ مخلد فيها ، وأن الأقوى قد يضعُف والأكثرَ ذكاءا قد يُخْطىء
، والتي لاشك أنه نسيها أو تناساها ، وسيكون لذلك شديد الأثر على حياته النفسية ومساره
السياسي ، وعلى العملية الأنتخابية القادمه التي تحتاج الى الشفافية والجو الآمن لكي
تجرى وفقا للسياقات المتعارف عليها ، والتي لن تكون بأفضل من سابقاتها إن هي غابت عنها،
وستهدد بقتل روح الأمل والطموح لدى المواطن وإفقاده الجدوى من الذهاب إلى صناديق الاقتراع
من أجل الديمقراطية الموعودة.
هذه الواقعة -التي لا نملك لها علاجًا سوى التحسّر ، لكونها ليست نضالا من أجل
الوطن ،و لا هي ثورة ، وانما هي مواقف تؤكد أن هناك من يصر على معاكسة المغرب بمنطق
"إنا عكسنا" فقط، يقودها:"كائنات انتخابية جمعتها التنافس على المصلحة
الشخصية وفرقتها ميول وتوجهات الحزب" كما قال عنها الصحفي المتمرس عبد الإله شركيف.
فهل سيصحو المواطن من غفوته ، ويفطن لهذه الحيل والخدع الانتخابية ، ويتعرف
بسهولة على من يصدقه القول، ومن يكذب وينافق، ويرفض الرشاوى مهما تعددت إغراءاتها ،
وتنوعت وسائلها وطرقها، من "تدويرات" وزرود ، ، ويواجه مرتزقة الانتخابات
بشعار واحد وموحد :"الشعب ليس للبيع رغم فقره، وإرادته لا ولن تقهر أبدا
" فلا تفقد أيها المواطن حماستك ولا تعزف عن الانخراط في الإنتخابات ، وامنح ثقتك
للرجالات الوطنية المخلصة ولكوادر بلادك المواطنة ،وهي كثيرة جدا