بقلم عبد الحي الرايس
كلما دنا موعد الاستحقاقات، طَفَتْ على الساحة أسماءُ من عمَّروا في السياسة،
ودأبوا على إمطار الناس بمعسول الكلام وعذب الأحلام، حتى إذا اسْتلَمُوا مقاليد الأمور،
استمرأوا المواقع، واستطابوا المكاسب، وتعللوا بضيق الحال، وطغيان الفساد، وهكذا تمضي
الأمور من تجربة إلى أخرى في صيغة تكاد تكون نمطية، مما يُشيع اليأس، ويبعث على العزوف،
ويُكرِّسُ الشعور بالإحباط.
والحال أن البلاد تزخر بالطاقات والكفاءات، وبصادقي العزم وسامي التطلعات، ولكنهم
يزهدون في المواقع، ويستنكفون عن الانخراط في الصراعات، وخوْضِ غمار المُنافسات
فإلى متى يظل الحال هو الحال، ويستمر التظلم والشكوى من خيبة الآمال وسوء المآل؟
!
ويتساءل المرء هل خبَتْ جذوةُ الوطنية، واندثرت الغيْرية، وغابت قيمُ نكران
الذات والتضحية ؟
ولكن البلد معطاء، وفي خضم المتطلعين للممارسة استثناء.
استثناء هو أشبه ما يكون بنزعة صوفية تُنْسِي المرء ذاته، وتجعله ينغمر في عمل
دؤوب من أجل الإصلاح والتغيير، والارتقاء بمستوى التدبير والتسيير، فإذا الطموحات تأتي
متتالية، وإذا الأحلام تتحقق متسارعة.
والاستثناء استثناءات، يكفي أن يسود بين الناس الشعور بضرورة التغيير، والحاجة
إلى البديل، ليتنادوا فيما بينهم إلى البحث عن الأفذاذ، وتزكية من يتوسمون فيهم التوجه
الصادق لإنقاذ البلاد.
والتحديات عديدة، فمن تغيرات مُناخية شديدة، إلى منافسات دولية عنيفة، فإلى
تحولات ديمغرافية سريعة.
ولا شيء يُحقق التوازنات، ويُكسِبُ الرهانات، غيرُ إنضاجٍ للرؤى وحسْمٍ في الاختيارات،
وانغمارٍ في تطوير الإستراتيجيات، وتغييب الذاتيات، وتعبئة قصوى للكفاءات في إحداث
التحولات وترشيد الإمكانيات.
ويسأل السائل: أين هم الأفذاذ؟ ومن أين نأتي بالكفاءات؟
وكم كان بالوُدِّ أن يكون التعويل على الأحزاب التي كانت مدارس للقيم، ومشاتل
للنضال لولا أنها استحالت إلى هيآت لاستقطاب ذوي النفوذ وأصحاب الثروات، للفوز بالمقاعد،
وضمان تصدر المواقع.
وإذن لا يعود ثمة من أمل غير أن تُفرز الأغلبية الصامتة العازفة نخبة تراهن
عليها، وتتوسم الخير فيها، لتسلمها مقاليد الأمور، وتراهن على التغيير من خلالها في
المستقبل المنظور....