بقلم الأستاذ حميد طولست
يقال أن كل حقيقة حقيقية تغضب، تماما كما هو حال الحقائق التي نشرت قبل أيام
على الفيس بوك - انطلاقا من عشقي لمدينة فاس العريقة ، وحرصي على رقيها تأريخيا وحضاريا
وثقافيا - في مقالة تناولت فيها ما استفزني من مظاهر الترييف وغزو مختلف اشكال البدونة
، جميع فضاءات هذه المدينة ، العريقة ، وحولتها إلى قرية كبيرة ، يلف الفشل والتهميش
والتفقير كل مجالاتها ، ويطال الإهمال وتراكم
الازبال وانبعاث الروائح الكريهة كافة ربوعها ، ويعم البؤس والتعاسة واليأس والسرقة
والإجرام جل أطرافها ، وغير ذلك من النحوس التي لا يتطلب البحث في خطورة تأثيراتها
، لا الذكاء الفائق ولا الشطارة الخارق ولا التفكير الطويل ، ولا الاستدلال العميق
، لأنها مسببات واضحة وثابتة وبديهية وبسيطة ، لخصتها في مقالتي السابقة -إلى جانب
دور بعض من لهم سلطة تسيير شؤون المدن ، الذي لا عاقل يمكنه نفيه أو التستر عليه- في
سبب افتقار فاس إلى مجتمع متحضر، كالذي كانه مجتمعها في سالف الأزمان ، مجتمع متشبع
بالوعي المدني الراقي ، متخلق بالسلوك البيئي المتقدم ، مهتم بنظافة دربه وحيه ومدينته
، منشغل بجماليتها ، غير مقصر في الحفاظ على سلامة بيئتها ، مستميت في مواجهة كل ما
يلوث مجالاتها ، أو يشوه صورتها ، أو يضر بصحة ساكنتها ، أو يعبث بسمعة مجتمعها ، أو
يسيء لمكانتها ، أو يحتقر ثقافة مجتمعها أو وتاريخها ، وغير ذلك من الصفات والسلوكات
المشينة التي غدت خلال العقود الأخيرة ، سمة لغالبية ساكنتها والوافدين عليها، السلوكيات
التي أثارت غضب الأسوياء والأكفاء من رجالها الحقيقيين ، الذين هم أكثر رجالها المنصفين
المحبين الوافين بواجباتهم تجاهها ، الذين يشهد القاصي والداني بحسن وعيهم في التعامل
مع أحوالها وكرههم لكل ما يمكن أن يكون يوما مصدر ضرر لحالها ، والذين يحرصون دوما
على الرقي به إلى أفضل وأعلى المستويات ، بخلاف أولئك الذين يسكنون فاس دون أن تسكنهم
، من أشباه الفاسيين ، الذين لا يمتلكون من الشهامة والرجولة والإيثار والحسّ العالي
بمسؤولية تدبير علاقة الإنسان الطبيعية بالأماكن التي تمتزج فيها الشوق والحنين والأحاسيس
، والتي من بينها"المدن والقرى" التي تدار طبقا للقاعدة الذهبية التي هي
كالعملة ذات الوجهين لا قيمة لها من دون وجهيها معا ،والذان هما "الحق الواجب"
التي تلخص فيأن "كل حق يقابله واجب والتزام"
أي أن حق الساكنة على المدينة يقابله واجب الساكنة تجاه المدينة، وحق المدينة على ساكنتها
يقابله واجب المدينة تجاه ساكنتها..
وفي الختام اعترف لقارئي الكريم ، أن ســروري بغضب أولئك الذين بنوا سكنهم بفاس
على ذلك التواطئ المريب الذي لا يرى فيها سوى على الغنائم الريعية التي لا مكان فيها
للواجب كان أكبر من الصلحاء الذين يتعاملون
مع مدينتهم على هَدْي سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم :"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول
عن رعيته" ، وذلك لأن غضب اولئك هو مقياس لنجاح مقالتي ودليل على وصولها إلى عدد
كبير منهم .
وفي الختام أعتذر عما يمكن أن يكون قد تسبب فيه انحيازي الإيجابي لمسقط للمدينة
التي احبها ، الانحياز الذي لم يكن سوى اجتهاد
- قد يصيب و قد يخيب - فرضته أوضاع الظلم التي طالت المدينة.