بقلم عبدالحي
الرايس
التصريح أدلى به السيد نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال على قناة ميدي
1 تيفي ليلة 28 يوليوز 2021 في برنامج "مواجهة للإقناع" حين سُئل عن أسباب
فشل سياسة التعليم، فأرجعها إلى السرعة في تنفيذ التعريب، وكذا إلى الاكتظاظ، والتقصير
في التكوين المستمر، وفي الأخذ بمنهجية التعلم الذاتي، وأوْمَأ إلى تأكيده ملاحظة تفادي
التسرع في العودة إلى فرْنسة تدريس المواد العلمية عند تنفيذ القانون الإطار للتعليم
51.17 ((وكأني به بذلك يعلن التسليم بالأمر الواقع، ويرفع الراية البيضاء بشأن التعريب)).
ومطلبُ التعريب ليس تعصُّبَ فئة، ولا اختيارَ هيئة، وإنما هو تأكيدٌ لِهُوية،
وتوحيدٌ للسانِ أمَّة، كما نص على ذلك الدستور، وكما ورد على لسان السيد الأمين العام
في مستهل توضيحه لأسبابِ الأخذ بمبدإ التعريب، وفي الآن ذاته تفعيلٌ لمبدإ نفسيٍّ وتربوي
يقوم على اعتماد اللغة الوطنية أساساً للتعليم أوصتْ به المنظماتُ العالمية، وأخذت
به الأمم الناهضة.
وخيرُ مثال في هذا السياق يُفنِّد إرجاع السبب إلى التسرُّع في تنفيذ التعريب،
ما أكدته التجربة الفيتنامية التي دعا رئيسها ـ غداة الاستقلال ـ إلى فتنمة جميع مراحل
التعليم، وعندما وُوجِه بمعترضين عليه في كلية الطب متعللين بِتعذُّرِ ذلك قبل خمس
سنوات، لصعوبة ترجمة المصطلحات، أجاب: علموهم بما شئتم، فامتحاناتُ نهاية السنة لن
تكون بغير الفيتنامية، وكذلك كان، ونجحت الفَتْنمَة.
نَخْلُصُ من ذلك إلى أن إشكالية التعريب لا تكمن في الإسراع بتنزيله، وإنما
تعود إلى التردد في تعميمه الذي تجلى في الوقوف به عند حدود التعليم الثانوي، وعدم
الأخذ به في العالي، فكانت النتيجة أن أجيال المعربين الوافدين على الجامعة واجهوا
صعوبتيْ التمرس باللغة الثانية، وفي الآن ذاته استيعاب وتحصيل المادة العلمية، وكل
مجال يستفيد مما يُنتج، فمتخرجو الجامعة الملتحقون بالتعليم عندما صار عليهم أن يعودوا
إلى التدريس بالعربية انعكس ذلك على مستوى أدائهم، وحُمِّلَ التعريبُ ظلماً تبِعاتِ
كل ذلك.
وستُبدي لنا الأيام أن التخلي عن تعريب المواد العلمية، والارتماءَ في أحضان
فرْنستها، لن يأتي بكبير طائل، وأن الحل الأمثل هو تثبيت اللغة الوطنية في جميع أطوار
ومراحل التعليم، وأن اعتماد الإنجليزية لغة ثانية عون على تعزيز البحث والانخراط في
ركب العولمة، وأن الفرنسية ينبغي أن تظل رديفاً، وفي مرتبة ثالثة.
وصفْوَةُ القول أننا انسلخنا عن هويتنا حين ظلمنا التعريب، قصَّرنا في تعميمه،
وحمَّلناه تَبعِات كل ما شاب التعليم مع ذلك من اكتظاظ، وتعاقد، وتقصير في التكوين
المستمر، وفي التأهيل لمهنةٍ هي عمادُ التنمية وأشرفُ المهن.