بقلم الأستاذ عبد الغني فرحتي
أكره التشاؤم وأجعل بيني وبين المتشائمين مسافات قد تتجاوز الحدود والبحار وهجر
المسؤوليات والأوطان. لقد استفزتني عبارة وردت في مقالة لأحد أبناء فاس (+)، عبارة
لم تكن وصفا لأحوال المدينة المريضة فحسب، بل وأيضا أحكاما على ناسها وأصحاب الشأن
فيها. إنها عبارة: " النحوس المسلطة" على المدينة.
قولوا لي، بالله عليكم، أي نحس
سلط على فاس؟ ألم نجعل سكانها ينسون واقعهم الأليم وينطلقون يعيشون، لسنوات طوال، أحلاما
وردية، عندما وعدناهم بأن المدينة سيكون لها بحرها العظيم؟
ألم نقتطع من فضاءاتها وحدائقها،
التي كانت تشكل متنفسا للساكنة، مساحات زحف عليها الإسمنت من كل جانب بهدف إكسابها
قيمة جمالية، عفوا، مالية أكثر؟ لقد أدركنا،
بما "حبانا به الله من حكمة" أن إدمان الناس على هواتفهم النقالة وارتماءهم
في أحضان العوالم الافتراضية، يجعلهم في منأى عن الحاجة لمثل هذه الفضاءات، فلماذا
نتركها مرتعا للحشرات والجرذان؟
وكي لا يؤاخذنا الخضر بالإهمال،
أقمنا ملاعب للكولف بمكان اعتاد الناس البسطاء أن يرتادوه، بفضاءات وضفاف واد الجواهر،
تجسيدا لاهتمامنا بالبعد البيئي وحرصا منا، وفي سياق مسيرتنا النضالية الطويلة، على
ألا تبقى هذه الرياضة حكرا على الأغنياء فقط، بل وتصبح رياضة شعبية بامتياز. فهل بعد
كل هذا، يمكن أن ينطبق علينا وصف "النحوس المسلطة"؟ إنه وصف مستفز، يبعث
على الانفعال الشديد، انفعال يدفعنا إلى العزوف عن خطاب العقل الذي اعتمدناه وركوب
خطاب العناد و"تخراج العينين" الذي لنا فيه الباع الطويل.
فلو سايرنا المنتقدين ومنظري "النحوس المسلطة" وكل من يدعي أننا ساهمنا في جعل الحاضرة الإدريسية تعيش مثل هذه الأوضاع الكارثية، وإذا كانت محكوم عليها بهذا الموت البطيء، فلماذا يخشون عودتنا؟ فهي ميتة لا محالة، وصدق الشاعر حين قال: " وما لجرح بميت إيلام".
(+) الأستاذ حميد طولست
جريدة "القلم الحر" فاتح يوليوز 2021