بقلم مصطفى منيغ
المخزون الاستراتيجي بدأَ يَنفَذ ، وقريباً المَزيد من القلق سيتصاعَد ، وأحلام
الثراء الواحدة تلو الأخرى تتبَدّد ، وكل مشروع تصميماته على أساس التوسّع لم تتجدَّد
، المجالات ومنها الحيوية في طريق مَن أخذها تجمَّد ، و "سبتة" لا تدري أين الاتجاه بعدما شبح
الإفلاس التام لها هدَّد ، حتى الشحوب اعتلى قدّها الإسمنتي المصبوغ بَارِحَة البارحة
بكل ألوان الورد ، ومياه الميناء مالت لخاصية القَار من وَقْعِ رُكودٍ تجاوز كل حَدّ
، "سبتة" تبكي بشوارعها الحزينة ومتاجرها شبه الفارغة ومقاهيها النصف مفتوحة
عن قصد ، لا تحسبا من وباء "كرونا" بل لرفض جلوس عاطلٍ بالمجّان داخلها على
أي مَقعَد ، الجو جدّ مُكهرب وأغلب البشر لا يسرّ مظهرهم أَحَد ، حتى الحكومة المحلية
برئيسها حائرة لا تُصّدق ما جرى لتُصاب بمثل
الكَمد ، استمراره عقاب تتعرّض له بنظامٍ وانتظام لا تطيقه اليوم بالأحرى إن امتدّ
للغد .
تأخّرت الحكومة الاسبانية في مطابقة تصرفاتها مع الاحترام الواجب مبادلته مع
المملكة المغربية على الأقل وفق المنطق الفارض وجوده في مثل المرحلة ، ليس كجارة فقط
بل لأنها وليّة نعمتها فيما يخصّ الصمت الذي طال انتظاراً لانجاز وصية الملك الراحل
الحسن الثاني ، القاضية بتأسيس لجنة من حكماء المغرب واسبانيا ، لدراسة وضعية احتلال
اسبانيا لمدينتي "سبتة" و "ومليلية" وجزر أخرى معروفة لديهما معا
، فما كان على المملكة الاسبانية إلا أن تجاهلت بالكامل مثل الوصية/النصيحة ، واستمرَّت
كأنََّ المغربَ خُلِقَ ليظلَّ عبداً لسياستها باستفزازاتها ومواقفها العدائية منذ استرجاع
المغرب لصحرائه انطلاقاً من نوفمبر 1975 حتى اليوم ، دون اعتقاد أن الصبرَ طاقاته مهما
تجدّدت هناك حقوق ويجب أخذها كما نصّت على ذلك كل الديانات السماوية ، قبل الاتفاقات
الدولية وهيأة الأمم المتحدة شاهدة على ذلك ،الآن شيء آخر طرأ على القضيّة يجعل المملكة
الاسبانية تدرك بقاءها وحدها في الساحة الأممية وحيدة ، إن لم تكن بمفهوم المطلق ،
فالتدرّج ظاهرة مؤشراته ، بخاصة في قلب أوربا "بلجيكا" ، حيث المغاربة هناك
تحركوا ومن تلقاء أنفسهم ، بدافع الوفاء لأصلهم المغربي قبل حصولهم على الجنسية البلجيكية
، وهم شخصيات فاعلة أصبحوا في تلك الديار ووازنة
مواقفهم ، استطاعوا الولوج ليس لكواليس البرلمان الأوربي ، ولكن لجل المؤسسات الرسمية
التي لاسبانيا فيها حضور قانوني كأحد أعضاء الاتحاد الأوربي ، استطاعوا الولوج المهذّب
المقبول لدى أصحاب الفكر السليم ، والتدبير المنَظّمِ المُنتظِم ، لمناقشة الحق المغربي
وهو يطالب النّظام الاسباني بالكفّ نهائياً عن إدخال أنفه في مسألة وحدة المغرب الترابية
، بما يعني اعترافه بمغربية الصحراء دون مراوغة مهما كان صنفها ، وأن يسهل ذاك النظام
على المملكة المغربية انتقال "سبتة" و"مليلية" وكل الثغور الأخرى
انتقالاً سلمياً إلى السيادة المغربية دون تأخير ، ولقد استطاع هؤلاء من تحقيق تقدم
داخل الأوساط البلجيكية مهما كان المجال الملحقة به ، مع التأكيد على الدور البارز
الذي لعبه اليهود المغاربة ، التي شرحت لي شخصياً السيدة المحترمة "البهلولية
" التي كان لي ولا زال ارتباط وتاريخ لن تتبدّل أحواله لتشبثه المتين بأنبل القيم
الإنسانية ، حيث زادت عن شرحها تفاصيل برنامج قابل للتطوّر إن اقتضت الظروف والمستجدات ذاك ، يطّلِع بإقناع يهود اسبانيا للوقوف
وقفة تاريخية مع المملكة المغربية التي لها مع الشعب اليهودي مواقف عز ومجد لا يمكن للزمن أن يمحيها
إلى يوم الفناء المحتوم ، وقد حصل ما يفيد أن للمغرب في قلوب بعض الاسبان مودة تُترجَم
حالياً بارتفاع أصوات داخل دواليب الحكم نفسه في مدريد ، المنادية بتغيير السياسة الموجهة
صوب المغرب من عقود ، وكلها سياسات اسبانية تحصد ما يزره المغاربة صراحة .
... المسألة تجري بعيداً
عن أي طرف مسؤول في الرباط أو غير الرباط ، بل اندفاع بريء يتعاظم شأنه يوماً بعد يوم
، عملاً بالواجب الذي يسعد كل مغربي أو مغربية القيام به إخلاصا لوطنهم ، لتَعلمَ اسبانيا
أن المغرب الذي عرفته قبل إغلاق الممرَّين "سبتة" و"مليلية" ليس
مغرب بعد ذلك ، ومهما بقى مغربي واحد على امتداد دول الاتحاد الأوربي لن تهدأ اسبانيا
في تلك الأجزاء المحتلة في شمال الدولة المغربية الشريفة ، عِلماً أن دُولاً في الاتحاد
الأوربي متجنبة لحدٍ بعيد الدخول في مثل الصراع ، عائد موقفها الحكيم هذا لما تُكنّه
للمغرب دولةً وشعباً من عظيم احترام وسامي تقدير .