بقلم الأستاذ حميد
طولست
تمهيد قبل البدأ
أود أن أعتذر عن قسوتي على أبناء معشوقتي فاس وأردد مع نزار قباني:" فإذا صرخت
في وجه من أحببتهم، فلكي يعيش الحب والأحباب.. وإذا قسوت على العروبة مرة، فلقد تضيق
بكحلها الأهداب!.
البدأ: ليست المدن
كلها محصنة من الكوارث، وتمرُّ أكثريتها بمصاعب ، تفلح بعضها في تجاوزها ، ويخفق بعضها
الآخر في تخطي متاعبه التي تتحول في الكثير من الأحيان إلى احتقانات وانضغاطات تخلف
نوائب كارثية ، كما هو حال مدينة فاس -التي لا تختلف عن أي مدينة من مدن العالم - التي
غدت النحوس جزء من نسيجها الاجتماعي ، فلم
تتمكن من النهوض من بين رماد محنها ومصائبها ، التي شكلت لها أعباء فوق طاقتها ، انضافت
إلى الكثير من عوامل "الريفنة والبدونة والقرينة" -بكل ما تحمله هذه الكلمات
الثلاثة من معاني اجتماعية وحضارية- التي شوهت وجهها ، وغيرت طراز معيشة مجتمعها ، جراء التحولات الديموغرافية التي خلفتها هجرة جيوش
من الطبقة الرثة فكريا وحضاريا والحاملة معها للكثير من تقاليد البدونة ، وعادات الريفنة ، وسلوكيات القرينة التي حولتها إلى قرية
كبيرة ، تتخبط في أزمات والتوسع السرطاني لمدن الصفيح بما تشيعه من التشابه والنمطية
والاستنساخ والتفاهة والبشاعة التي يصعب الخروج منها أو السيطرة على مخلفاتها التي
يستطيع أي داخل لها ، ومن أي بوابة من بواباتها ، أن يكتشف ، وبيسر شديد ، أنه لم يبق
بها أي مظهر من المظاهر الحضارية والاجتماعية والثقافية والتاريخية وحتى الدينية ،
التي اعتاد الكثير ممن ينظرون للقضية من جانب واحد ، على تحميل السلطات - الحكومية
والمنتخبة- مسؤولية وزر أي فشل اجتماعي ، أو كساد ثقافي ، أو تقهقر حضاري ، أو إخفاق
أقتصادي ، أو نكوص سياسي ، وغيره مما يهمّ المدينة ورفاه مواطنيها وصحتهم وتعليمهم
، والذي لا تعود بالضرورة اسبابه إلى السلطات وحدها- الحكومية والمنتخبة ، التي تتهم
وحدها بتدمير الأمجاد الحضارية والتاريخية للمدينة، بينما يُغض الطرف عن شريكها الأساسي في تلك المسؤولية
الساكنة ويدها الطولى في مسخ معالم المدينة ، وتتريك الكثير من مقومتها الحضارية والتاريخية
، والتي لا تقل خطورة مسؤوليتها عن لامبالات السلطة وتقصيرها في الخدمات العمومية الضرورية
والواجبة نحو المدينة ، والتي لا تقل كذلك عن تواطؤ المنتخبين وتقصيرهم في العمل بشكل
إيجابي على البحث عن السبل الحقيقية ، وليست الوهمية ، لتحريرها المدينة التي يمثلونها
-كقضية أجتماعية ذات أبعاد تأريخية وأقتصادية وسياسية وثقافية - من انقلاب عاليها سافلها
، الذي يتجاهل الكثير منهم آثاره المحتملة ، ويستخفون بخطورة تحول تراكماته الكمية
التي لا تحدث هكذا عفو الخاطر ، إلى تحولات كيفية و نوعية خطيرة لا تحدث بين عشية وضحاها ، دون أن تتهيأ لها ظروف
اختمار عواملها في قاع المجتمع وفي مسار زمني طويل وتحت أنظار المسؤولين المطلعين على
خفايا الأمور، و ممثلي الأمة محليا ووطنيا على رأسهم أو هكذا يجب ان يكون.
خلاصة القول ، هو
أنه لا يمكن انقاد مدينة فاس ، والارتقاء بها ، واعادة بناء حاضرها واستشراف مستقبلها
حضاريا وتراثيا وتاريخيا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ودينيا ، إلا بصحوة عارمة تبني
ساكنتها ، وجعلها تدركون – وخاصة أنها لا تنقصها
القدوات المخلصة النزيهة ، ولا الرجالات المؤمنة -أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بتحمل مسؤوليتها
كاملة نحو ما وصل إليه حال المدينة نتيجة تصوراتها غير الواقعية ، و تصرفاتها الخاطئة
، بدل لعن حظ المدينة البائس، وتركها لمصيرها ، تضرب رأسها على صخرة نحوس البَدوَنة والرَيفَنة القَرينَة..