adsense

/www.alqalamlhor.com

2021/07/01 - 9:46 م

بقلم الأستاذ حميد طولست

عبثا حاولت رحمة بنفسي وسلامة لعقلي ، الابتعاد عن الحديث عما نزل بساكنة فاس من يأس وتعاسة جراء الخراب المادي والمعنوي  الذي عم مدينتهم ، والذي وقفت - خلال زيارة مكوكوية دامت يوم وليلة -على غيض من فيض ما طفح من بشاعته على أرجائها ، وأغرقت فضاعته مجمل مناطقها ، واجتاحت ادرانه سائر مجالاتها ، وغطت نثانة نفاياته جميع شوارعها ، وسد شؤمه كل منافذها ، وشوه قبحه كل ما عرفته تاريخها من حسن وتميز ، وغير ذلك من النحوس المسلّطة بإستراتيجية ممنهجة على مقوماتها الحضارية والتراثية والتاريخية ،التي كانت وراء احتقان أحوالها ، وانضغاط أوضاعها ، والاستعداء المجاني على انفرادية وخصوصية ساكنتها ، فاسفرت عن ذاك الكمِّ المروع من الامتعاض النفسي والاحتقان الاجتماعي والغضب الإنساني ، الذي جعل عوام المدينة قبل مثقفيها ، يعيشون حالات  التوثر والتحفز والاستنفار للانتفاض في وجه المستنزفين لخيراتها عن بعد – الذين يعشقون العيش خارجها-  الذين لم يتركوا أي مطلب  اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي لا يحتج من أجله المنتفضون من أبنائها المخلصين ، بسلميتهم المعهودة ، ولباقتهم المشهودة ، التي قاموا بها يوم اشعلوا الشموع في ساحاتها ، وأطلقوا "النفاخات" في سماواتها ، تعبيرا عن رفضهم  للمنظومة السياسية المبهمة التي لم يعد يحتمل الفاسيون التعايش مع فشل برامجها وفساد مخططاتها التي لا تنتج إلا التشابه والنمطية ، ولا تستنسخ سوى التفاهة والبشاعة المدمرة لأمجاد المدينة..

لا أخفي قرائي الكرام سرا ، إن قلت أنني وجدتني ، والغصة تملأ قلبي وتخنق صدري ، غير قادر على النأي بنفسي عن الخوض مع محبي فاس في شجب قساوة ما شاهدته من الأوضاع الكارتية والأحوال المزرية التي ترزح تحتها فاس، وقررت ألا أفضح لامبالاة منتخبيها الخطيرة ، وتواطؤ مدبري شأنها المحلي وحاملي أمانة ومسؤولية إدارة شؤونها ، فقط ، بل قررت أن أفضح أيضا ، مساهمة ساكنتها في تسويد جماليتها ، وتشويه صورتها  وتلويث بيئتها والإساءة لسمعة مجتمعها.  بتقاعصهم عن الحفاض على نظافتها وحماية مجالاتها الذي شوه وجهها واعاق الرقي بها في مجالات نضارة التمدن وجمال التحضر، القرار الذي كلي يقين أنه لن يزعج المسؤولين المعنيين بتسيير شؤون المدينة وحدهم ، بل سيغضب أيضا ، جل الساكنة الفاسية ، بما فيهم منظريها وأكاديمييها ، وكل الذين لا يكفون عن المطالبة بتخليصها من عفن ما تعيشه من ويلات الإهمال والتهميش واللامبالات، الأمر الذي لا يتأتى بالتمني ، ولا بالتغني به ، أو بنعيه ، ولا حتى بانتقاده ، أو بالدعاء على المتسببين فيه -مسير الشأن المحلي في الغالب- دون الرجوع إلى النفس ومحاسبتها وترويضها على ثقافة الإحساس بالمسؤولية وتطبيق ذلك  على أرض الواقع ،  مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ " الرعد:11 ، التغيير الذي أدق من أجله -عبر هذه المقالة -نواقيس الإنذار عالية صاخبة ، للبحث عن آذان صاغية للمساهمة في انقاذ  فاس من مختلف ما يقض مضاجع مواطنينها ويكدر صفاءهم ولو كان نسبيا ، ولا أقصد هنا آذان المسؤولين الذين يتحملون أمانة ومسؤولية إدارة شؤون المدينة فقط ، بل أقصد إثارة إنتباه غالبية الساكنة التي تبدوا وأنه لا أحد منهم يحس بالمسؤولية تجاه ما يحصل فى المدينة ، ولا يشعر بأى إهانة فى حقها وفي حق مواطنيها ، ولا  يغار على مصيرها ، وكأن الجميع يضمر لها عداء مجانيا ، لغرق أكثريتهم في ظلمات البداوة الداهمة ، وانعدام الوعي بالتمدن والتحضر والسلوك البيئي المتقدم ، المشوهة لوجه المدينة والمسيئة لساكنتها ، رغم أنه لا تنقصها القدوات المخلصة النزيهة ، ولا الرجالات المؤمنة ، ولا الأطر المقتدرة المستقيمة وذات المقومات الذهنية العالية ، بقدر ما تنقصها الصحوة التي تجعل أهلها يدركون أنه عليهم تحمل مسؤولية تقدير مدينتهم والثقة في كفاءاتهم .