بقلم عبد الحي الرايس
اقترن ذِكْرُه بمدينته، هو وفيٌّ لها، فهل ستكون وفية له؟ !
من غَرْبها مَنبعُه، وفي شرقها مَصبُّه
جادت عليه العيونُ بنمير مياهها، وغذته الروافد بصبيبها، وألْهمَ مَرْآهُ بانيَ
المدينة اختيارَ موقعها، وإنشاءَ عُدْوتيْها، فكانت فاس، وظلت أرْحِيَةُ فاس ودُورُها
ورياضُها وعرصاتها رَدحاً من الزمان تنعم بصفاء مياهه، وتنام وتصحو على صوت تدفقه وانسيابه،
لكل منها نصيب، وارتواءٌ بالماء العذب السلسبيل.
ومُتتبعو مَجراه، مُلتقطو اللآلئ هامُوا به، فأطلقوا عليه وادي الجواهر
والمغرمون بالخضرة والظلال، وارتياد الأنهار، تواعدوا على النزهة في جنباته،
واتخذوا منها المرابع والمصايف.
ثم دار الزمان دورته، فإذا النهر يجري مُحَمَّلا بنقيض الجواهر، وإذا الأسماكُ
تَنْفُقُ مُعلنة تلوث المياه، مُنذرة بتفاقم المخاطر.
هَبَّ القومُ يتساءلون عما دهاه، ويتقصَّوْنَ ما طرأ على مجراه
فإذا بالمفاجآت تَتْرَى:
أتربة يُرْمَى بها هنا وهناك في غفلة من الرقيب، وعلى مقربة من الانسياب والصبيب
وأشجارٌ تذوي وتنتصب شاهدة مُشيرة بأصابع الاتهام إلى أسباب التيبُّس والجفاف
وعوادمُ تَقذِفُ بها الدور والمصانع تلوث النهر العابر، ولا ترعى حُرمة للماء
الدافق
وبقايا يُتخلَّصُ منها في المجرى، في تصامُم عن كل شكوى
وها هُوَ النهر يواصل انسيابه ومجراه، في التزام ووفاء.
فهل للمدينة وسكانها في هَبَّةٍ تُعيد للوادي ألقه وبهاه.
تُوقِفُ النزيف، وتضع المجرى تحت أعين الرقيب.
تُنقي المجرى، وتُزيح الأذى، وتُجفف مصادر البلوى.
وتُعلن عن تعبئة لإحداث مُتَنَزَّهٍ يُؤَمِّنُ ويصون حرمة الوادي، ويصحبه على
ضفتيه من النبع برأس الماء إلى المصب في سبو، فيُوقف الشكوى، ويُحقق المُبتغَى.
ليس المَطلبُ بالمستحيل، ولا بالأمر العسير
إنما هي نفحة إيمان، وتحريرُ إرادةٍ لدى المُدَبِّرِين والسكان
فإذا بالمتنزه يتحقق بالتعبئة والعزم والرُّجحان.
وإذا بالتلوث والإهمال يُصبحان في خبر كان.
وكما كان الوادي في الماضي أصل منشإ فاس، يُرجَى له أن يكون في الحاضر والآتي
سببَ استدامة وازدهار فاس.