من الطبيعي أن تعرف الهبة الدبلوماسية التي ينهجها المغرب برعاية عاهل البلاد
الملك محمد السادس نصره الله ، النجاح الباهر على دُعاة الانفصال ، والنصر الساحق على
حلفائهم ، من خلال عملية تحرير معبر الكركرات ، وعبر فتح قنصليات عدد من دول العالم
بالأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، وخاصة مدينتي العيون والداخلة، اللتان تحولتا
إلى حاضرتين للدبلوماسية الدولية، بفضل مواطن القوة الدبلوماسية المغربية الجديدة المبنية
على التمايز والابتكار والتحديث المرتقي بالعمل الدبلوماسي ، والذي تكفل تدبيره السيد
بوريطا ،الدبلوماسي المحنك سياسيا ، والمؤهل علمياً وعملياً ، والمدرك لدوره تجاه الأولويات
الوطنية الاستراتيجية المستعجلة وتحويلها لنتائج سياسية لصالح القضايا الوطنية الأساسية
، بعيدا عن شكل وأدوات الممارسات التقليدية المتسمة بالضعف واللادبلوماسية التي عانى
منها المغرب على يد بعض وزراء قوى الإسلام السياسي الحاكم ، من خلال مواقفهم المتهورة التي ورّطت الدولة المغربية
سياسيا ودبلوماسيا ، وجرت عليها موجة من السخريات اللاذعة والمرة ، كالموقف غير المحسوب
العواقب الذي دوَّنه قبل أيام وزير حقوق الإنسان مصطفى الرميد على صفحته الشخصية ،
ليؤكد فيه بأنه يحق للمغرب أن يمد رِجله ، في إشارة واضحة إلى توريط الدولة المغربية
في الغزو البشري الذي طال مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، وغير ذاك من المواقف الكارثية
المورّطة للدولة المغربية سياسيا ودبلوماسيا ، ينعكس تأثيره السلبي على مستقبل قضياه
الوطنية – التي تعجز مقالة بسيطة على الإلمام بكل كوارثها الكثيرة التي يصعب القبول
بها تحت أي بمبرر- والمتمثلة في التصريحات
السخيفة ، والتعليقات البليدة ، والتغريدات السمجة ، التي أفسدت أكثر مما أصلحت ، بل
الكثير منها أفسد ولم يصلح شيئاً ، لبعدها
عن أبجديات اللغة الدبلوماسية وحياديتها، ودقتة وعمق وذكاء مفرداتها وما تقتضيه قواعد
وأخلاقيات ردودها من البلاغة وسرعة البديهة
، والمهارات التي يتمتع بها الدبلوماسي الجيد والتي لخصها السير "كريستوفر
ماير"السفير البريطاني السابق في واشنطن في قوله :"الدبلوماسي في حاجة إلى
عقل سريع ، ورأس صلب ، ومعدة قوية ، وإبتسامة دافئة ، وعين باردة" ..
والصفات المخالفة لما يتخيّله البعض عن الدبلوماسية ،التي يحصرها في التسرع
والتهور والصرامة والتهجم والعبوس، والتي كانت وراء إعفاء سعد الدين العثماني، القيادي
في حزب العدالة والتنمية من منصبه كوزير للشؤون الخارجية والتعاون في 2013 وكما هو
احال التصريح الذي اطلقه على عواهنه مصطفى الخلفي -في يونيو 2014- وهو يومها وزير للاتصال
وناطق رسمي باسم الحكومة، في معرض رده على سؤال نائبة برلمانية تتهمه بالسيطرة على
الإعلام قائلا: "هل يرضيكم أن يتحول المغرب إلى ماخور في المكسيك؟" الأمر
الذي أغضب المكسيك بشدة فأصدرت بيان احتجاج على ذاك التصريح الأرعن، الذي لا يقل رعونة
من تصريح ، وهو رئيسه في الحكومة والحزب أنذاك
السيد بنكيران، الذي اعرب فيه عن خشيته من أن يتحول المغرب بعد تقنين القنب الهندي
إلى كولومبيا جديدة ودولة عصابات، ما ساهم في برودة العلاقات الدبلوماسية مع كولومبيا،
ولم تسلم بلجيكا كما سابقاتها ، من الإساءة التي لحقتها بسبب تجاهلِه لوزيرتها في العدل
"أنيمي تورتيلبوم" خلال استقابله للوفد البلجيكي الذي في11 أبريل 2012م ،
اعتقادا منه أنها مجرد مترجمة ، الشيء الذي أسال لعاب الصحافة البلجيكية حول احتقار
الإسلاميين للمرأة، ولم يتوقف تصرفه اللامسؤول عند بلجيكا وكولومبيا ، بل تعداه إلى
روسيا التي انتقد بشدة -في 30 نونبر 2016م- دورها في سوريا وتساؤله عن تدميرها لها
بهذا الشكل؟"، ما دفع وزارة خارجية المملكة لإصدار بيان لـ"تبديد سوء الفهم"،
ولدعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة الرباط.
ربما يقول قائل أنه من طبيعي أن نتقبل التعاليق على الأحداث السياسية من الناس
العاديين ، ونرفضها من المسؤولين السياسيين، فاقول أننا حينما نسمعها من مسؤول ، يتحول الأمر إلى صدمة ، لما يفترض في المسؤول من حسن انتقاء لعبارات تصريحاته
، كما عهدنا ذلك في الدبلوماسيين و رجال دولة الذين ، إذا فتح الواحد منهم فاه فلكي
تخرج الحكم التي تستشهد بها الأجيال الحالية و تذكرها الأجيال القادمة ، كما هو حال
آخر مقولة للسيد ناصر بوريطة في رده على البرلمان الأوربي: "منطق الأستاذ والتلميذ
الذي تنهجه أوروبا لم يعد مقبولا"..