بقلم حورية اقريمع
.....تناهى إلى
سمعها غمغمة ما إلتفتت يمينا ويسارا ثم استدارت نحو مصدر الصوت...فإذا بها أما شلة
من الفتيات كان منظرهن يشي بشيء من الغرابة لها...فوجوههن مملوءة بمختلف المساحيق...أما
ثيابهن فحدث ولا حرج- وكأنهن يلبسن فساتين أخواتهن الصغيرات- تذكرت بنات الدوار عندهم
...ندت عنها تنهيدة طويلة " إنها العاصمة يا نجوى...لم تري شيئا بعد...."
اللهم ارحمنا....
اقتربت منها شلة
الفتيات بدين وكأنهن يتهامسن حولها....
وقفت نجوى وألقت
عليهن التحية بكل أدب....لم يعرنها انتباها رمقنها بنظرة شزراء من مقدمة رأسها إلى
أخمص قدميها...وأطلقن سيقانهن للريح وغبن عن الأنظار...
لم تكن نجوى تضع
ذلك في الحسبان...لقد ترك هذا الحادث في نفسها قلقا كبيرا من المستقبل الغامض....
مر أسبوع على ذلك
الحادث المؤلم وهاهو المعهد يفتح أبوابه....كانت تبدو غريبة عن الجميع...نظراتهم الثاقبة
إليها جعلتها محرجة تماما...وكأنها أتت من كوكب آخر...أينما ولت وجهها تجد نفسها محاصرة
بنظرات كلها حيرة وأسئلة....لكن يقينها بالله تعالى جعلها راسخة كالجبل....
اقترب منها أحد
الطلبة بود وهمس في أذنها بكلمات لم تستطع مداركها السمعية إلتقاطها...أو بالأحرى فهمها
ثم أستدرك وسألها: يبدو أنك غريبة عن المدينة من أي مدينة أنت إذن ؟!!
-أجابته بأنها
من" إقليم تاونات"
-هكذا إذن...ما
اسمك يا حلوة ....
ارتبكت ...أنا
...أنا...وما شأنك أنت بذلك...!!
- لقد كنت أود
التعرف عليك وحسب ...بعدها تكونين صديقتي ....
نظرت إليه نظرة
ملؤها الاشمئزاز...تناهى إلى سمعها صوت ابن عمها عمر " إحذري يا نجوى ...إنه أحد
الذئاب الجائعة" ...تركته خلفها وذهبت إلى الفصل فهي على موعد مع الحصص الاولى....
كانت نجوى تنهل
من كل ينابيع العلم والمعرفة...فلم تترك وقتا للفراغ...وقتها مقسم بين الكلية والمكتبة
وعند المساء تتفرغ لقراءة وردها اليومي...كان لسانها يلهج بذكر الله أينما حلت او ارتحلت...
...إنها الساعة
الحادية عشر ليلا...الجو مكفهر...والبرد يعوي مثل الذئاب الجائعة...أما نجوى فتحترق
في قلق من غير نار...فقد تركتها زميلتها في الغرفة وحدها وذهبت للسهر مع صديقاتها الأخريات....
لبست لبنى أفخر
فساتينها...وتعطرت...وتزينت...وقالت لنجوى : هيا تعالي معي يا نجوى...سنسهر الليلة
سهرة العمر...سنذهب لنادي الحرية...هناك يجتمع الكل...رقص .. غناء..متعة... بعيدا عن
هذه الكتب...ألا تملين منها...انظري إلى نفسك وأنت غارقة وسطها...ياللمنظر المخزي....إنها
العاصمة يا حلوة...إننا في عصر الحرية ...ألم تسمعي بالتقدم والتطور...وحرية المرأة..!!!
شهقت نجوى وأردفت:
أية حرية هاته التي تتحدثين عليها يا لبنى...أحرية في البعد عن الله !! أم حرية في
السهرات بعيدا عن أعين الأهل...هياااا أجيبي !!!
أف لك يا نجوى...لا
بد وأنك تريدين تكدير صفو ليلتي هاته...أقوالك تذكرني بأمي...أتعلمين إنك تشبهينها
تماما بكلامك هذا الذي لا يطاق !!
لأنها تحبك وتخاف
عليك عزيزتي...لقد جئنا للدراسة فحسب...الدراسة ولا شيء غيرها..
آآآه منك يا نجوى!!
ادرسي وحدك...أما أنا فقد تأخرت عن الصديقات...
....لكم يؤلمها
أن ترى مثل هذه الطاقات الشابة المتدفقة حيوية
ونشاطا تتبدد....إن عقولهم تذهب سدى.. استغفرت الله في سرها...ودعت لزميلتها بالهداية....
لقد كانت أمة وحدها...تصارع وحدها....تدافع وحدها...وكأنها
قدت من الصخر...إنها نجوى الفتاة الصبور ...الشامخة...كشجرة الأرز التي تتربع بكل هيبة
ووقار وسط حديقة الحي....
....يتبع....