بقلم عبدالحي الرايس
تَنَقَّلْ ما شِيءَ لك التنقلُ بين الحدائق، لن تجد غيرَ حديقة النبات مُتحفاً
حياً يُفيدُ كل باحث، ومَعرضاً مُتجدداً يُمْتِعُ كل زائر، يُطالعك بتجميع موضوعاتي
للنباتات في ربوع بلادك وقارتك، والمجلوب منها من مختلف قارات كوكبك، يُعرفك بها، ويَدُلك
على موطنها، ويُبرز لك ـ في أحواض ـ تنوُّعَها وبهاءها:
فهذه مَوْرَدَةٌ تأسِرُك بتعدُّد ألوانها وطِيب أشذائها وتنوع أشكالها، وتلك
مَشجرة تأخذك في تيه بين غابوية فيها الأرز والصنوبر والسنديان، ومُزهرة لها تجليات
في الجكرندة والسورنكا والأرجوان، ومُثمرة منها اللوز والإجاص والرمان، وأخرى مَقْصبة
تستوقفك بين قصب وخيزران في أحجام مختلفة، وغيرها مَخْضَرَةٌ، ومَبْقَلة، وصَبَّارياتٌ
وطبية وعِطْرية، وهذه مَداريَّةٌ وتلك استوائية، تَجْوَالٌ لا يَمَلُّ ولا يَتْعب،
يُثيرُ الفضول والدهشة، ويُحَققُ الإفادة والمُتعَة، ولا يلبث أن يقودك إلى تلك المجلوبة
من القارات، وإلى النادر منها والمُهدَّدِ بالانقراض حيث يحظى بالتوثيق والحفاظ، والاهتمام
والاستنبات، في بيوت دفيئة، وبعناية مركزة شديدة.
حديقة النبات لا تقبل الغرسَ والتأثيثَ كيفما اتفق، ولكنها تخضعُ لِتوَجُّهٍ
ورُؤية، وتستحضرُ تجاربَ سابقة، ومواصفاتٍ أنْضجَها تَراكُمُ الخبرة، ومُلتقياتٌ عالمية
للتباحث والتناظر، والتحفيز والتقاسُم.
ومن هنا كانت لها شبكاتٌ قاريةٌ وعالمية، وكان التنافسُ في إحداثها بين الأقطار،
وفي القطر الواحد بين المدن والجهات، وكان التعاون على تأثيثها وتدبيرها رهاناً بين
الجماعات والجامعات والجمعيات.
ولحديقة النبات بفاس حكاية تُرْوَى، فالحُلْمُ بإحداثها يرجع لعقود، والْجِدُّ
في طلبها عَلَّمَ البيئيين الصمود، إذ تأرجح الاعتراف بها بين إقرار وجحود، وهي اليوم في موقعها ـ على ضفاف وادي الجواهر ـ
تُعْلن عن حضور، وبتوقيع اتفاقية تأسيسها تُبرِمُ العُقود، وتستدعي حثَّ الخُطى لاستكمال
الإنجاز الموعود.